
تبحث الحكومة آليات جديدة لتأمين احتياجات السوق المحلية من الأسمدة، تحسبا لأى اضطرابات مستقبلية قد تنتج عن أزمة الغاز الحالية وتأثيرها المباشر على إنتاج وتصدير الأسمدة.
واستبعد مستثمرون وناشطون في القطاع الزراعي لـ”البورصة”، حدوث أزمة أسمدة ، بفضل خطط وقرارات استباقية تقوي وضع السوق المحلي.
قال شريف الجبلي، رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، إن مصر تمتلك طاقات إنتاجية كبيرة من الأسمدة تتيح لها تأمين احتياجات السوق المحلي بالكامل، مع تحقيق فائض يوجه للتصدير.
أضاف أن الدولة باتت تنظر إلى قطاع الأسمدة كأحد مكونات الأمن القومي الغذائي، خصوصا فى ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بالمنطقة، وعلى رأسها الصراع بين إيران وإسرائيل، والذى قد يلقى بظلاله على سلاسل الإمداد العالمية.
وأشار الجبلي، إلى أن تعزيز المخزون الاستراتيجي من الأسمدة أصبح ضرورة لضمان استقرار القطاع الزراعي وعدم التأثر بأى تقلبات خارجية.
زغلول: الشركات باتت أكثر حذرًا فى توقيع عقود تصديرية طويلة الأجل
وقال طارق زغلول نائب رئيس المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية والأسمدة، إن الدولة اتخذت خطوات استباقية لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، من خلال استيراد عدد من الشحنات لتدعيم المخزون، تحسبًا لأى تطورات مفاجئة قد تؤثر على الإمدادات.
أضاف أن أى تأثير محتمل للأزمة لن يطال السوق المحلية، وسيتم التعامل معه عبر خفض محدود فى كميات التصدير، بما يضمن استمرار تلبية احتياجات السوق الداخلية دون اضطراب.
ولفت زغلول، إلى أن الحكومة سعت لترشيد استخدام الغاز من خلال توجيه بعض محطات الكهرباء للاعتماد على المازوت كبديل، بهدف تقليل الضغط على شبكة الغاز.
أضاف أن الشركات المصدرة باتت أكثر حذرًا فى توقيع عقود تصديرية طويلة الأجل، تفاديا لأى التزامات قد تتعارض مع التغيرات المفاجئة فى الإنتاج أو الإمداد.
وأوضح، أن الصادرات لم تتأثر بشكل ملحوظ منذ بداية العام، مشيرًا إلى أن التأثيرات المحتملة للوضع الراهن من المتوقع أن تظهر بوضوح خلال الربع الثالث من العام الحالي.
أكد نائب رئيس المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية والأسمدة ، أن الشركات وضعت فى أولوياتها توفير كميات كافية من الأسمدة للجمعيات الأهلية، حتى لو كان ذلك على حساب حصص التصدير، مشيرا إلى أن شركات الأسمدة تمتلك مخزونًا كافيًا يمكنها من الوفاء باحتياجات السوق المحلية دون انقطاع.
وتراجعت صادرات مصر من الأسمدة خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 6.4%؛ لتسجل 619 مليون دولار، مقابل 661.79 مليون دولار خلال الفترة نفسها من 2024، بحسب بيان صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
أبوصدام: لدينا مخزون بالجمعيات يكفى حتى نهاية العام الحالي
وقال حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن عمليات توريد الأسمدة من وزارة الزراعة تسير وفق معدلاتها الطبيعية، مؤكدًا أن الأسعار لم تشهد أى زيادات منذ بداية العام الحالي، رغم الظروف الطارئة التى يمر بها القطاع.
وأضاف أن الجمعيات الزراعية تمتلك مخزونًا من الأسمدة يكفي حتى نهاية العام، مشيرًا إلى أن الطلب على الأسمدة فى فصل الصيف يقل بشكل ملحوظ، مما يقلل من تأثير أى اضطرابات حالية.
أكد أبو صدام، أن تأثير الأزمة على المدى البعيد، قد يكون هامشيا، خاصة فى ظل تعهدات وزارة الزراعة بتوفير الكميات اللازمة من الأسمدة، واستخدام بدائل مناسبة لضمان عدم حدوث عجز فى الإمدادات.
وأوضح أن أسعار النترات واليوريا تتراوح فى السوق الحر ما بين 20- 22 ألف جنيه للطن، بينما تظل الأسعار فى الجمعيات الزراعية مستقرة عند 5 آلاف جنيه للطن.
بشر: تأمين الغاز يمثل عاملا حاسما فى استقرار الإنتاج
وقال حازم بشر، عضو المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة، إن تأمين احتياجات مصانع الأسمدة من الغاز يمثل عاملا حاسما فى استقرار الإنتاج والصادرات، خصوصا مع التغيرات الحادة فى أسعار الغاز عالميًا، واحتمالية اضطراب سلاسل الإمداد.
وأضاف أن الدولة بدأت تنفذ استراتيجية أكثر عمقًا، والتي لا تعتمد فقط على تأمين الطاقة، بل تمتد إلى توطين صناعات مكملة وأساسية تخدم قطاع الأسمدة، مثل مشروع إنتاج “الصودا آش” الذي يُنفذ حاليًا في منطقة العلمين الجديدة.
ولفت بشر، إلى أن الحكومة تتحرك خلال الآونة الأخيرة لتسريع توطين مشروعات الطاقة، وعلى رأسها مشروعات استخراج الغاز الطبيعي، لما لها من أهمية بالغة بالنسبة لصناعة الأسمدة، التي تُعد من أكثر القطاعات اعتمادًا على الطاقة والمواد الخام المستوردة.
وأكد أن استمرار الدولة في دعم هذا النوع من الشراكات مع القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب يمثل تحولًا نوعيًا نحو تقوية الصناعات التصديرية وتحصينها من تقلبات الأسواق العالمية، خصوصًا في وقت تسعى فيه مصر إلى التوسع في صادرات الأسمدة إلى أسواق جديدة في أفريقيا وآسيا.
وأعلنت شركتا “أبوقير للأسمدة” و”موبكو” عن وقف مؤقت للإنتاج وبدء تنفيذ برنامج صيانة مكثفة قبل موعده السنوي، تزامنًا مع إعلان إسرائيل وقف إمدادات الغاز إلى مصر وسط تطورات إقليمية متلاحقة.
قال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة “عربية أون لاين”، لـ”البورصة”، أن الغاز الطبيعي يُعد مادة رئيسية في إنتاج الأسمدة الأزوتية، وليس مجرد مصدر للطاقة، مشيرًا إلى أن توقف الإمدادات ينعكس بشكل مباشر على مستويات الإنتاج ومن ثم الإيرادات وصافي الأرباح.
أضاف أن توقف الغاز يعيد إلى الأذهان أزمة مشابهة العام الماضي، وهو ما يثير قلق الأسواق الخارجية من استدامة العقود التصديرية المصرية. ولفت إلى أن استمرار الأزمة قد يدفع بعض العملاء الدوليين للبحث عن بدائل أكثر استقرارًا، ما يُشكل تهديدًا محتملاً لحصة مصر في السوق العالمي.
من جانبه، رأى هيثم فهمي، خبير أسواق المال، أن أثر الأزمة سيكون متفاوتًا بين شركة وأخرى بحسب كفاءة الإدارة ونسبة الاعتماد على الغاز ضمن مزيج الطاقة المستخدم. وأوضح أن تقديم موعد الصيانة كان تحركًا ذكيًا من “أبوقير” و”موبكو” لاحتواء الصدمة.
وأضاف فهمي لـ”البورصة”، أن مصانع مثل “موبكو” التي تعتمد جزئيًا على مصادر بديلة كالفحم أو المخلفات الزراعية قد تتمكن من استعادة التشغيل بشكل أسرع من غيرها. وأشار إلى أن صناعات أخرى مثل الحديد والسيراميك ستتأثر أيضًا، وإن كانت بدرجات أقل.
وسجلت “أبوقير للأسمدة” تراجعًا بنسبة 35.5% في صافي أرباحها خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الجاري، محققة 7.77 مليار جنيه، مقابل 12.05 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام المالي السابق، رغم نمو الإيرادات إلى 16.89 مليار جنيه مقارنة بـ14.04 مليار جنيه.
كما انخفضت أرباح “موبكو” بنسبة 63% خلال الربع الأول من العام الجاري، لتسجل 2.81 مليار جنيه مقابل 7.64 مليار جنيه في الفترة المقارنة من 2024، رغم ارتفاع المبيعات إلى 6.34 مليار جنيه مقارنة بـ4.79 مليار جنيه.
وتنتج مصر سنويًا ما بين 6.5 إلى 7 ملايين طن من اليوريا، لتحتل المركز السادس عالميًا بحصة 4% من الإنتاج العالمي البالغ 170 مليون طن، بحسب بيانات وزارة الزراعة، ما يجعل استمرار الأزمة خطرًا حقيقيًا على دور القطاع في دعم الصادرات وتوفير العملة الأجنبية.