استراتيجية مصر لتقليل الانبعاثات الكربونية باستخدام الطاقة المتجددة

استراتيجية مصر لتقليل الانبعاثات الكربونية باستخدام الطاقة المتجددة

 في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، لم يعد من الممكن فصل ملف البيئة عن قضايا التنمية الشاملة، إذ أصبح تغير المناخ تحديًا عالميًا يهدد استقرار الدول ويعرقل مسارات النمو الاقتصادي والاجتماعي، وتحت وطأة هذا التهديد، تسعى دول العالم، ومن بينها مصر، إلى تنفيذ استراتيجيات طويلة الأجل للحد من الانبعاثات الكربونية، والتحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة وأقل ضررًا بالبيئة.

تُعَد مصر من بين الدول التي أولت ملف المناخ اهتمامًا متزايدًا خلال السنوات الأخيرة، إدراكًا منها للتأثيرات السلبية المباشرة وغير المباشرة التي يفرضها تغير المناخ على قطاعات حيوية كالمياه والزراعة والصحة والطاقة.

وتتمثل أبرز مظاهر التغير المناخي في ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة شدة وكثافة الظواهر الجوية المتطرفة، مثل السيول والفيضانات وموجات الجفاف والحر والبرد الشديد، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي، وتهديد الأمن الغذائي، وارتفاع معدلات الفقر والنزوح البيئي.

وترتبط هذه الظواهر بتصاعد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الناتجة في الأساس عن الأنشطة البشرية غير المستدامة، مثل حرق الوقود الأحفوري (الغاز الطبيعي، المازوت)، والعمليات الصناعية الثقيلة، وقطع الغابات. هذه الانبعاثات تؤدي إلى زيادة درجة حرارة الأرض وخلل في التوازن المناخي، ما يتطلب تحركًا فوريًا وحاسمًا من الحكومات.

وفي هذا الإطار، أطلقت الدولة المصرية استراتيجية وطنية متكاملة للحد من الانبعاثات الكربونية، تم تضمينها في “رؤية مصر 2030” للتنمية المستدامة. وتركز هذه الاستراتيجية بشكل خاص على قطاع الطاقة، نظرًا لأنه يمثل المصدر الأكبر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في البلاد، بنسبة تقدر بحوالي 64.5% من إجمالي الانبعاثات، وفقًا لبيانات عام 2019.

وتعتمد معظم محطات إنتاج الكهرباء في مصر على الغاز الطبيعي، بينما لا تزال بعض المحطات تعمل بالمازوت، ما يُسهم في إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الضارة.

وانطلاقًا من هذه الحقيقة، وضعت الحكومة هدفًا طموحًا لخفض انبعاثات الكربون الناتجة عن قطاع الكهرباء – بما يشمل التوليد والنقل والتوزيع – بنحو 69 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030، أي ما يعادل تقليلًا بنسبة 33% من معدلات الانبعاث الحالية.

اقرأ أيضا: أحمد الشناوى يكتب: كيف يقود الهيدروجين الأخضر ثورة الكهرباء؟

ولتحقيق هذا الهدف، تم تبني استراتيجية للطاقة المستدامة، تتضمن التوسع في استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

تستهدف مصر أن تصل نسبة مساهمة الطاقة المتجددة إلى نحو 30% من إجمالي الكهرباء المنتجة بحلول عام 2030. وقد بدأ تنفيذ هذا التوجه عبر مجموعة من المشروعات الكبرى، من أبرزها مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، بقدرة إجمالية تصل إلى 1465 ميجاوات، والذي حصل على جائزة البنك الدولي كأحد أفضل المشروعات على مستوى العالم، وجائزة التميز الحكومي العربي في دورتها الأولى (2019-2020).

كما تم تنفيذ محطة كوم أمبو للطاقة الشمسية بقدرة 26 ميجاوات، ومحطة جبل الزيت لطاقة الرياح بقدرة 850 ميجاوات، والتي تُعد من أكبر مزارع الرياح في العالم، بالإضافة إلى محطة رأس غارب بقدرة 262.5 ميجاوات.

وفي مايو 2024، وقّعت الدولة المصرية عقدًا ضخمًا لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح بقدرة 8 جيجاوات في منطقة غرب سوهاج، وهو مشروع يُعد من أهم ثمار مؤتمر المناخ COP27 الذي استضافته مصر في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر 2022، ويُتوقع أن يكون له تأثير كبير في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة خلال السنوات القادمة.

ورغم هذه الإنجازات، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه تنفيذ استراتيجية الطاقة المتجددة في مصر، أولها استمرار الدعم الحكومي لبعض أنواع الوقود التقليدي، مما يقلل من تنافسية مصادر الطاقة النظيفة في السوق المحلي. كما أن البنية التحتية لشبكات النقل والتوزيع بحاجة إلى مزيد من التحديث والتوسع لتكون قادرة على استيعاب الطاقة المتجددة المُنتجة، لا سيما في المناطق البعيدة مثل الصعيد والصحراء الغربية.

ومن التحديات أيضًا، الحاجة إلى تعزيز الاستثمارات الخاصة في هذا القطاع، حيث لا تزال نسبة كبيرة من المشروعات تعتمد على التمويل الحكومي أو الشراكات الدولية، بينما تتطلب المرحلة القادمة تشجيع القطاع الخاص المحلي والعربي والدولي على الدخول بقوة في مشروعات الطاقة النظيفة.

كما يُمثل الوعي المجتمعي تحديًا آخر، إذ لا يزال كثير من المواطنين والمؤسسات يفتقرون إلى المعرفة الكافية بأهمية التحول إلى الطاقة المتجددة وفوائدها الاقتصادية والبيئية، مما يتطلب حملات إعلامية وتعليمية شاملة لتغيير أنماط الاستهلاك التقليدية، وتعزيز ثقافة الاستدامة في الحياة اليومية.

ومع ذلك، فإن ما تم إنجازه حتى الآن يمثل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. فقد وصلت مساهمة الطاقة الجديدة والمتجددة حاليًا إلى نحو 22% من إجمالي الكهرباء المُولدة في مصر، وهي نسبة مرشحة للزيادة خلال السنوات المقبلة، إذا ما استمرت الدولة في تنفيذ استراتيجيتها الحالية بوتيرة متسارعة، مع معالجة نقاط الضعف والتحديات المشار إليها.

وختامًا، فإن نجاح مصر في تحقيق تحول حقيقي نحو الطاقة النظيفة لن يكون مجرد إنجاز بيئي، بل هو ضرورة وطنية لحماية الأمن القومي بمفهومه الشامل، وضمان حق الأجيال القادمة في بيئة آمنة وتنمية مستدامة.

بقلم:
أحمد الشناوى خبير الطاقة الكهربائية