برنامج الطروحات الرشيدة.. بيعٌ مُنظَّم يحمي الثروة القومية

برنامج الطروحات الرشيدة.. بيعٌ مُنظَّم يحمي الثروة القومية

منذ إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي 2016، ودعوات صندوق النقد الدولي تتكرّر لخفض بصمة الملكيّة العامّة في الاقتصاد المصري. غير أنّ التجارب العالمية تُظهر بوضوح أنّ طريقة الخصخصة لا تقلّ أهمية عن حجمها. فبيع الأصول على عجلٍ وبتقدير أقل من قيمتها يبدّد الثروة العامة ويهدر رأسمالاً سياسياً واجتماعياً يصعب تعويضه.

في المقابل، اعتمدت دولٌ مثل أستراليا وكندا خصخصة مسئولة مشروطة بالاستثمار اللاحق وحماية العمالة، فحقّقت كفاءة أعلى، وزادت ثقة المواطنين بالإصلاح. تهدف هذه الورقة إلى تقديم إطارٍ رشيد لبرنامج الطروحات المصري يجمع بين:

• التقييم العادل والشفّاف لقيمة الأصول.

• مشاركة الجمهور لضبط السلوك الاحتكاري.

• اشتراطات اجتماعية واستثمارية تقي الاقتصاد من التجريف بعد البيع.

الخلفيّة النظريّة والسياق الدولي

1. المفهوم والهدف

الخصخصة أداة لإعادة توجيه موارد الدولة نحو وظائفها الأساسية وخلق مساحة للقطاع الخاص، لا غايةً في ذاتها. ويشترط الدليل الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن تقوم الحكومات بدور مالكٍ نشِطٍ يوازن بين العائد المالي والنفع العام.

2. دروس التجارب الدولية

أوروبا الشرقية (التسعينيات): خصخصة سريعة بأسعار مُتدنيّة أدّت إلى تمركز الثروة وخلق رأسمالية المحاسب. 

أستراليا (قطاع الكهرباء): فرضت السلطات التزاماً استثمارياً طويل الأجل مع قيود على إعادة البيع، فحافظت على التشغيل الآمن للشبكات ورفع الكفاءة بنحو 17% في خمس سنوات.

الولايات المتحدة (كونريل 1995): قانون الخصخصة قيّد ملكية المستثمرين الجدد بنسبة 10% حداً أقصى لأول عام وحظر الاندماجات / إعادة البيع دون موافقة الحكومة لحماية المرفق الحيوي.

3. منهجية الدراسة ومصادر البيانات

تستند الدراسة إلى عينة من 32 شركة حكومية في قطاعات الطاقة والاتصالات والنقل والخدمات المالية والصناعات الثقيلة، مع تحليل بياناتها المدقَّقة حتى 31 ديسمبر 2024 وإسقاط تدفقات نقدية حتى 2030. اعتمدنا أربعة مصادر رئيسية: القوائم المالية IFRS، بيانات وزارة المالية عن الاستثمارات والتوزيعات، مؤشرات البنك المركزي لأسعار الفائدة والتضخم، ومضاعفات EV/EBITDA الإقليمية من OECD وOxford Economics، إضافة إلى دراسات fire-sale الدولية.

4. تحليل البيانات والتجارب العمليّة

استنتاج تحليلي: كل نقطة مئوية تُهدر في سعر البيع أو تُبدَّد خارج الاقتصاد الإنتاجي هي خسارة دائمة في رأس المال الوطني، بينما الالتزام باستثمار العائد وإعادة هيكلة الأصل يرفع الكفاءة ويحفّز النمو على المدى الطويل.

4

5. التحدّيات الهيكليّة

55

6. الفرص والتوصيات السياساتية

66

7. حوكمة التنفيذ والمتابعة

يُقترح إنشاء وحدة مستقلة ـ وحدة استدامة الخصخصة تابعة للسيد رئيس الوزراء تُزوَّد بسلطة تدقيق تقارير المستثمرين وربط الامتثال بحوافز أو جزاءات، مع نشر بيانات مفتوحة للرأي العام كل ستة أشهر. تعتمد الوحدة على مؤشرات مثل:

• نسبة الاستثمارات المنفذة من المخطط.

• معدل دوران العمالة مقارنة بالسقف المسموح.

• حصة الأرباح المعاد استثمارها محليًا.

تُمكِّن هذه الآلية من اكتشاف الحياد عن تنفبذ العقود مبكرًا وتفعيل بند الفسخ التلقائي واسترداد الأصل عند الإخلال بأي شرط تعاقدي.

أداة رقابية ابتكارية: اعتماد منصة إلكترونية تفاعلية تُمكّن المواطنين من تتبّع مؤشرات الأداء (Dashboard) للأصول المخصخصة في الزمن الحقيقي، مع نافذة لتلقّي شكاوى العمال والمجتمع المحلي. (مستندة إلى توصية البنك الدولي في مراجعة ما بعد الخصخصة).

خاتمة واستشراف

يسمح برنامج الطروحات الرشيد بتحويل الأصول العامة من عبءٍ مالي إلى مُحرّك نموٍّ إنتاجي، شرط الالتزام بتقييمٍ عادلٍ، ومشاركةٍ شعبية، وحوكمةٍ صارمةٍ لما بعد البيع. تشير التقديبرات أن التنفيذ المنضبط يرفع معدل النمو الحقيقي إلى ≥ 6% بحلول 2030، ويعزّز تصنيف مصر الائتماني عبر تقليص المخاطر السيادية وتعميق السوق المالية.

كما يلبّي برنامج الطروحات الرشيد هدفين متوازنين: تعزيز كفاءة الاقتصاد عبر مشاركة القطاع الخاص، وحماية الثروة القومية للأجيال المقبلة.

بقلم:
الدكتورة عالية المهدي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الاسبق جامعة القاهرة