موجة الفوضى المستمرة.. هل تعرقل الفوضى المتجددة في فرنسا النمو الاقتصادي وتضع الاقتصاد في مواجهة تحديات جديدة؟

فرنسا تواجه تحديات مالية وسياسية مع ارتفاع الدين والعجز السياسي المستمر، مما يعمق المخاوف في الاتحاد الأوروبي والأسواق المالية بشأن استمرار استقرار ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة.

الانهيار السياسي وتأثيره على الأسواق الفرنسية في ظل ديون مرتفعة

تسببت استقالة رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان ليكورنو، بعد أسابيع قليلة من تعيينه، في إشعال أزمة سياسية جديدة أدخلت البلاد في حالة من الشلل المستمر، حيث أصبح خامس رئيس وزراء خلال أقل من عامين؛ مما يعكس عمق الأزمة التي تواجه البرلمان المنقسم في إقرار ميزانية 2026. انعكس هذا الاضطراب السياسي سلباً في الأسواق المالية؛ إذ سجل العائد على سندات الحكومة الفرنسية لأجل 30 سنة أعلى مستوياته خلال شهر واحد عند 4.441 بالمئة، فيما انخفض مؤشر “كاك 40” بنسبة 1.9 بالمئة، وتراجع سعر اليورو بنسبة 0.7 بالمئة مقابل الدولار. استقالة ليكورنو بعد ساعات من تشكيل حكومته الجديدة وضعت مزيداً من الضغط على الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يواجه حراكاً حكومياً متكرراً يعكس الفشل في تحقيق استقرار سياسي ومالي.

مخاطر ارتفاع الدين والعجز المالي في فرنسا وتأجيل الإصلاحات

فرنسا لم تعد تخفي الأزمة المالية التي تتفاقم بسبب عجز موازناتها المرتفع، حيث بلغ العجز 5.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وبلغ الدين العام 113 بالمئة من حجم الاقتصاد، وهو مستوى مرتفع تجاوز بكثير قواعد الاتحاد الأوروبي التي تسمح بعجز لا يتخطى 3 بالمئة ودين عام لا يزيد على 60 بالمئة. هذا الواقع دفع إلى تساؤل واضح حول ما إذا كانت فرنسا تحولت إلى “الرجل المريض” في أوروبا. حالة عدم اليقين السياسي انعكست في الأسواق السيادية؛ إذ ارتفعت عوائد سندات العشر سنوات الفرنسية إلى 3.6 بالمئة، مع توسع فارق العائد مقارنةً بالسندات الألمانية إلى 89 نقطة أساس، وهي الأعلى منذ أواخر 2024. زعيم الحزب الاشتراكي وصف الوضع بالانهيار، مؤكدًا فقدان الحكومة الجديدة لأي شرعية. وأشار رئيس الوزراء المستقيل إلى أن الفشل في إقرار ميزانية تضمنت تخفيضات غير شعبية سيزيد العجز إلى 6 بالمئة بدلاً من التراجع المتوقع إلى 4.6 بالمئة.

خيارات ماكرون الصعبة وتأثير الأزمة المالية على النمو الاقتصادي الفرنسي

أزمة الميزانية والعجز المالي المتصاعد تضع الرئيس إيمانويل ماكرون أمام خيارات معقدة، تشمل تعيين رئيس وزراء جديد، الدعوة إلى انتخابات برلمانية، أو الاستقالة، وهو ما نفاه سابقاً. محللون يتوقعون احتمالية موعد لانتخابات جديدة قد تؤدي إلى زيادة فروق العائدات فوق 100 نقطة أساس، وهو ما يرفع كلفة الاقتراض ويعرقل النمو الاقتصادي الذي يعاني فعلاً من ضغوط متعددة. هذا الاضطراب المستمر دفع مستشار الاقتصاد الدولي عامر الشوبكي لوصف استقالة ليكورنو بأنها صدمة مزدوجة تعمق المخاطر السيادية، مع تراجع مؤشر كاك 40 وهبوط اليورو، وارتفاع عوائد السندات إلى مستويات غير مسبوقة منذ تسعة أشهر. وتحرص المؤسسات الرقابية على خفض تصنيف فرنسا الائتماني إلى AA، مما يضاعف تكاليف التمويل ويضعف قدرة باريس على تنفيذ إصلاحات مالية ضرورية للحد من العجز المتزايد.

المؤشر النسبة 2024 الهدف الأوروبي
العجز في الميزانية من الناتج المحلي 5.8% < 3%
نسبة الدين العام من الناتج المحلي 113% < 60%
عائد سندات 10 سنوات 3.6%
  • أسهم البنوك الفرنسية تتعرض لخسائر بين 4 و6 بالمئة، ما يضيّق من الأوضاع الائتمانية ويعوق الاستثمارات الخاصة.
  • أي إخفاق في إقرار ميزانية تقشفية قد يؤدي إلى تخفيض تصنيف فرنسا الائتماني مجدداً، ويزيد من أعباء التمويل على الأسر والشركات.
  • ارتفاع عوائد السندات ينعكس بسرعة على أسعار القروض، ما يزيد من تدهور مناخ الاستثمار ويرسخ شروط انكماشية وفق قواعد الاتحاد الأوروبي.

استمرار الفوضى الحكومية وتقلبات الأسواق تبرز مخاطر واضحة على استقرار النظام المالي الفرنسي، وقد تُضعف البيئة الاستثمارية وتبطئ النمو الاقتصادي، بينما يواجه ماكرون ضغوطاً سياسية شديدة لعجزه عن تمرير ميزانية توازن الوضع، ويقف الاقتصاد الفرنسي على مفترق طرق يعيده إلى دائرة الخطر المالي الأوروبي، ليصبح مركز قلق أكبر من إيطاليا أو اليونان، الأمر الذي قد يُحدث تأثيراً متسلسلاً على استقرار منطقة اليورو ككل.

كاتب وصحفي يهتم بالشأن الاقتصادي والملفات الخدمية، يسعى لتبسيط المعلومات المعقدة للقارئ من خلال تقارير واضحة وأسلوب مباشر يركز على أبرز ما يهم المواطن.