أسرار جديدة.. كيف حوّل أحمد نوار الفن إلى لغة مقاومة مؤثرة وقوية؟
حين تتجول بين أعمال الفنان التشكيلي المصري أحمد نوار، تجد نفسك تسافر عبر صفحات التاريخ المصري، تغوص في تفاصيل الماضي وتتابع أحداث الحاضر، مستشرفًا المستقبل من خلال ألوان وتراكيب تفيض بالإبداع والحكمة. تجربة أحمد نوار تكشف كيف يمكن للفن أن يكون لغة حية تواكب الأزمان وتنقل تراث مصر وتطلعاتها إلى العالم.
رحلة الإبداع الفني والتاريخي في حياة أحمد نوار
ولد أحمد محمد إسماعيل نوار في قلب دلتا مصر بمحافظة الغربية عام 1945، وحمل في روحه عبق النيل وأسرار الحضارات المصرية القديمة. نهل من جذور الفن المصري الأصيل، لكنه لم يكتف بذلك، فدرس في أكاديمية سان فرناندو بإسبانيا، حيث توسعت مداركه الفنية، وعرف كيف يدمج بين الأصالة والحداثة ليخلق إبداعًا عالميًا يحتفظ بخصوصيته المصرية. بدأ مشواره بالحصول على بكالوريوس كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان عام 1967، ثم واصل دراسته العليا في مجالات الجرافيك والتصوير الجداري، وحصل على الأستاذية من نفس الأكاديمية الإسبانية.
لم يكن أحمد نوار فنانًا محدودًا بميدان الرسم فقط، بل تجاوز ذلك ليبني مؤسسات ثقافية هامة، وهو مؤسس كلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا ورأس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة؛ حيث شارك بقوة في الحفاظ على التراث المصري وإثراء المشهد الفني. كما أدت أعماله في الرسم، والحفر، والنحت، والتصوير إلى تزيين متاحف مصر ومتاحف عالمية، وقاد مشاركاته إلى بيناليات دولية مثل باريس والبندقية وساو باولو، وكان حضور فنه بارزًا عالميًا.
تجارب وأعمال أحمد نوار التي مزجت الفن بالقضية والذاكرة الجمعية
تميزت بداية أحمد نوار الفنية بانعكاسات عميقة للأحداث العربية، خاصة في عام 1967، حيث كانت أعماله تعبر عن مقاومة الصدمات الفنية والوطنية، مثل لوحته “استعداد وترقب” التي حازت على الجائزة الدولية الأولى في بينالي إيبيثا بإسبانيا عام 1968. ومن أبرز مشاريعه الفنية “يوم الحساب”، التي ألهمته من جدارية مايكل أنجلو الشهيرة، حيث أنتج عملاً جبارًا مستغرقًا فيه ستة أشهر، جمع بين التأمل الديني والثقافي من القرآن، الإنجيل، والأدب العربي الكلاسيكي والغربي.
عمل أحمد نوار على قضايا إنسانية وأخلاقية، حيث تابع قضايا فلسطين، والتمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وحرب فيتنام، وعبر عنها في معارض متعددة وأفلام وثائقية، أبرزها “فلسطين: 52 سنة احتلال” و”53 سنة احتلال”، وكلاهما أُرسل إلى المؤسسات الدولية ومجلس الأمن لتوصيل رسائل سلام وعدالة. ورأى أن للفنان دورًا أخلاقيًا يمتد ليصبح صوتًا للضمير والتغيير، لا مجرد جمالي فقط.
تأسيس الكليات الفنية ودعم المواهب من خلال جائزة نوار للرسم
في عام 1983؛ أسس أحمد نوار أول كلية للفنون الجميلة بصعيد مصر جامعة المنيا، حيث شكل المشروع تحديًا كبيرًا في بيئة جديدة، ولكن برؤيته وخبراته المكتسبة من أوروبا، نجح في بناء كلية تجمع بين التطور والحداثة، واستقبلت أول دفعة طلابية قبل أشهر من الافتتاح الرسمي. شهدت هذه المرحلة انطلاقته في القيادة الأكاديمية والثقافية التي استمرت مع عمله في إدارة قطاع الفنون التشكيلية والمتحف الأعلى للآثار.
كما أسس جائزة نوار للرسم التي تهدف إلى دعم وتشجيع الطلاب الموهوبين في كليات الفنون المصرية، معتبرًا الرسم أساس الإبداع الفني، وجعل للجائزة دورًا مهمًا في بناء جيل فني واعٍ وقوي بأساليب راسخة. تُقام الجائزة سنويًا في جامعات مختلفة، ويرافقها ورش عمل ومحاضرات، بشرف لجنة نقاد وفنانين مختصة تحرص على تطوير المواهب بكافة مراحلها.
اسم الجامعة | بداية الدورة | الهدف |
---|---|---|
جامعة المنصورة | 2017 | تأسيس الجائزة وتدريب الطلاب |
جامعة الأقصر | دورة ثانية | تنمية المواهب الفنية |
جامعة الإسكندرية | دورة ثالثة | توسيع المشاركة |
جامعة بدر | الدورة السابعة الحالية | استمرار دعم الطلاب |
يكرّس أحمد نوار جهوده في التطوير المستمر للمشهد الفني مع المحافظة على جذور مصر الحضارية، مؤمنًا بأن الفن هو أداة لا تنضب للنضال والذاكرة والتجديد، وأن للرسم سحره الخاص في التعبير عن الإنسان وقضاياه العميقة.