فوضى المرتبات تتراجع.. هل تحدد الحكومة الليبية راتبك لحظي وتحكم السوق؟
أطلق مصرف ليبيا المركزي منظومة “راتبك لحظي” لتحويل مرتبات موظفي القطاع العام مباشرة إلى حساباتهم البنكية بصورة فورية، في محاولة لتقليل الهدر المالي وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد المالية العامة. هذه الخطوة تعكس رغبة في تطوير آليات صرف المرتبات، رغم التحديات الاقتصادية والمؤسسية التي تواجهها ليبيا.
إنفاق القطاع العام على المرتبات وتأثير منظومة راتبك لحظي على تقليص الهدر المالي
تشير بيانات ديوان الرقابة الإدارية إلى أن عدد موظفي القطاع العام بلغ أكثر من مليوني موظف في بداية عام 2025، في حين ارتفع بند الأجور بأكثر من 104% خلال أربع سنوات فقط، من 33.1 مليار دينار ليبي في 2021 إلى 67.6 مليار دينار في 2024؛ ما يمثل عبئًا ضخمًا على الميزانية العامة. وفق البنك الدولي، يشكل هذا البند 31.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالدول المجاورة، ما يبرز الأزمة المالية التي تتطلب تحسين كفاءة الإنفاق. نظام “راتبك لحظي” يهدف إلى الحد من الهدر المالي المرتبط بالمرتبات، بتقليل التأخيرات وتلافي تحويل الأموال إلى حسابات غير صحيحة أو موظفين غير موجودين.
تحديات الفساد والبيروقراطية أمام تنفيذ منظومة راتبك لحظي الرقمية
تصنف ليبيا ضمن أكثر الدول فسادًا عالميًا، إذ حصلت على 13 نقطة فقط من 100 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024، ما يكشف عن ضعف حوكمة المال العام وصعوبة تحقيق شفافية حقيقية. يرى الخبراء الاقتصاديون أن اعتماد منظومة راتبك لحظي لن يحقق أهدافه بالكامل ما لم يصاحبه إصلاح مؤسساتي عميق يقلل من المحسوبية والتلاعب بسجلات الموظفين. الخبرة السابقة في ليبيا تؤكد أن محاولات تحديث نظام صرف المرتبات فشلت بسبب غياب آليات المحاسبة والمراجعة الفورية، وهو ما يضع تحديًا أمام فعالية النظام الجديد.
آلية عمل نظام راتبك لحظي وأثره في تحسين تجربة الموظفين transparence مالية
اعتمد النظام السابق على إجراءات يدوية وورقية سببت تأخيرًا في صرف الرواتب، بالإضافة إلى وجود حالات صرف لأشخاص متوفين أو موظفين وهميين. مع إطلاق منظومة راتبك لحظي، تم مطابقة نحو مليوني حساب حتى يوليو 2025، مع خطة لاستكمال 700 ألف حساب إضافي لضمان دقة قاعدة البيانات وربطها بالقطاع المصرفي بشكل آمن.
الميزة | التأثير المتوقع |
---|---|
صرف المرتبات مباشرة إلى الحسابات البنكية | تسريع الإجراءات وتخفيف التأخير |
مطابقة الحسابات مع قاعدة بيانات موحدة | الحد من الازدواج الوظيفي والأخطاء |
ربط البيانات بين الوزارات والجهات ذات العلاقة | تحسين دقة المعلومات ورفع الشفافية |
الأهداف التي تعوّل عليها الحكومة تشمل القضاء على الازدواج الوظيفي، تقليل التدخل اليدوي في عمليات الصرف، وتحسين تجربة الموظف في استلام راتبه بسهولة وأمان. بالمقابل، يشدد الخبراء على ضرورة وجود إطار تشريعي واضح يحمي البيانات ويضمن حقوق الاعتراض، إلى جانب تحديثات مستمرة للبنية التحتية المصرفية لتجنب الاختراقات أو الأعطال التي قد تؤثر على النظام.
ردود الأفعال والتحديات الاقتصادية التي تلقي بظلالها على نجاح راتبك لحظي
تباينت ردود الأفعال بين مرحب بحل مشكلة تأخير صرف المرتبات، ومتحفظ على تعقيدات فتح الحسابات البنكية خاصة في المناطق النائية التي تعاني ضعف البنية التحتية. تؤكد منشورات التواصل الاجتماعي على أهمية الحملة الإعلامية والتوعوية لتعزيز ثقة المواطنين في النظام الجديد، ما يعد عنصرًا حاسمًا للنجاح.
يضاف إلى ذلك تحديات الاقتصاد الكلي مثل تراجع النمو الحقيقي وانخفاض قيمة الدينار الليبي، إضافة إلى استمرار الفساد الذي قد يعرقل تأثير المنظومة، رغم توقعات النمو في الإنتاج النفطي.
- تراجع نمو الاقتصاد الليبي من 10% إلى 2% بين 2023 و2024
- انخفاض قيمة الدينار بنسبة 13% في أبريل 2025
- ضعف كفاءة الإنفاق وغياب آليات الرقابة المستمرة
هذه العوامل تجعل من تحقيق الشفافية المالية وإصلاح منظومة صرف المرتبات تحديًا مركزيًا.
الشفافية والمسؤولية لضمان استدامة التأثير المالي لمنظومة راتبك لحظي
يدعو ديوان المحاسبة وخبراء الرقابة إلى نشر تقارير ربع سنوية تتضمن عدد الحسابات المطابقة، حجم التوفير المالي، وآليات معالجة الاعتراضات؛ ما يعزز من مستويات المساءلة ويخلق بيئة مفتوحة للمراجعة. في حالة تطبيق هذه الإجراءات، يمكن لمنظومة راتبك لحظي أن تمهد الطريق لإصلاح حقيقي يُساهم في تحسين إدارة الأجور ودعم الاستدامة المالية. أما تجاهل الشفافية، فقد يحول المشروع إلى أداة جديدة لإدارة نفس المشاكل القديمة التي تواجه القطاع العام، ما يهدد بإهدار موارد مالية كبيرة دون تحقيق الفوائد المرجوة.
تبقى منظومة راتبك لحظي تجربة مهمة قيد المتابعة، تدفعها الحاجة الملحة لمواجهة ضعف الحوكمة والفساد المالي؛ إلا أن نجاحها يعتمد على التكامل بين التكنولوجيا والحوكمة، إلى جانب الدعم المؤسسي الشامل لضمان الاستمرارية وتحقيق أثر ملموس على الواقع المالي للحكومة والموظفين على حد سواء.