الاقتصاد الأخضر لا يزال في محطة البداية

الاقتصاد الأخضر لا يزال في محطة البداية

كشفت دراسة أكاديمية حديثة، أنَّ الاقتصاد الأخضر فى مصر لا يزال فى مراحله الأولية؛ إذ لم تتحول السياسات المعلنة حتى الآن إلى ممارسات واسعة النطاق داخل مؤسسات القطاع الخاص.

وطالبت الدراسة الصادرة عن قسم السياسات العامة بالجامعة الأمريكية فى القاهرة، بعنوان «مستقبل العمل: تأثير الاقتصاد الأخضر على ديناميكيات التوظيف فى مصر»، بتنفيذ حزمة من التوصيات التى تمثل «خارطة طريق واقعية» إذا ما أرادت مصر الانتقال من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ الفعلى.

وتضمنت الحزمة، ضرورة إعادة هيكلة التعليم الفنى والتقنى بشكل جذرى ليتماشى مع متطلبات الاقتصاد الأخضر، إذ لا يمكن بناء سوق عمل مستدام دون وجود كوادر مدربة ومهارات مواكبة للتحولات العالمية.

وأوصت الدراسة بإطلاق برامج تدريب قومية تستهدف إعادة تأهيل العاملين فى القطاعات التى ستتأثر بالتحول، على أن تكون هذه البرامج مرتبطة بشكل مباشر باحتياجات السوق، وموجهة لفئات عمرية مختلفة.

كما دعت إلى توفير حوافز مالية وتشريعية واضحة للشركات، خصوصاً الصغيرة والمتوسطة، التى تتبنى ممارسات خضراء فى الإنتاج والتشغيل، إلى جانب تفعيل الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى من أجل تعزيز التوعية المجتمعية بمفهوم الاقتصاد الأخضر، وتوسيع قاعدة المشاركة فى تحقيقه.

وأوصت الدراسة، أيضاً، بتطوير مؤشرات قياس وطنية دقيقة، لرصد تطور الوظائف الخضراء، وتحليل التغيرات فى المهارات المطلوبة، لضمان التقييم المستمر لمسار التحول وتحديد جوانب القصور بشكل مبكر.

وعلى الرغم من أن الدولة أعلنت منذ عام 2022 عن «الإستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050»، فإنَّ التنفيذ الفعلى لها على الأرض ما زال يواجه عراقيل ترتبط بالتمويل، ونقص الكوادر، وضعف الحوافز الاستثمارية.

وتلفت الدراسة إلى أن الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، ما زالت تفتقر إلى الوعى الكافى بمفاهيم الاستدامة أو الأدوات التى تتيح لها التحول نحو ممارسات إنتاج أكثر توافقاً مع البيئة، ما يجعل جهود الدولة غير مكتملة الأثر.

وأشارت إلى أن مفهوم «الوظائف الخضراء» لا يزال غامضاً بالنسبة للعديد من العاملين فى السوق، ولا يُدرك إلا عند تفكيكه إلى عناصر عملية مثل ترشيد استهلاك الموارد، وتقليل الفاقد، وخفض الانبعاثات.

اقرأ أيضا: مصر تصادق على أول تعاقدات للطاقة الخضراء بين جهات القطاع الخاص بقدرة 400 ميجاوات

وعلى الرغم مما تشير إليه بعض التقارير الحكومية من وجود أكثر من مليونى شخص يعملون فى أنشطة ذات صلة بالاستدامة، فإنَّ الدراسة تحذر من أن هذا الرقم قد يكون مضللاً؛ نظراً إلى أن معظم هذه الوظائف لها علاقة جزئية فقط بالممارسات الخضراء، ولا تعكس تحولاً هيكلياً فى طبيعة الإنتاج أو نوعية المهارات المطلوبة.

ومن بين القطاعات التى شملتها الدراسة، يُعد قطاع الزراعة الأكثر تجاوباً مع متطلبات التحول الأخضر.

ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها أنَّ الزراعة تُعد من أكثر القطاعات تأثراً بتغير المناخ، سواء من خلال ندرة المياه، أو تغير مواعيد الزراعة والحصاد، أو حتى تغير نوعية المحاصيل المناسبة للتربة والمناخ.

إضافة إلى ذلك، توظف الزراعة حوالى 25% من إجمالى القوة العاملة فى مصر، ما يجعل أى إصلاح فى هذا القطاع ذا أثر واسع النطاق.

وقد رصدت الدراسة بالفعل تحولاً تدريجياً بدأ يظهر فى أنظمة الرى؛ إذ بدأ الفلاحون ـ بدعم من برامج حكومية ـ فى التخلى عن نظام الرى بالغمر، والاتجاه إلى تقنيات أكثر كفاءة مثل الرى بالتنقيط والرى بالرش.

وترتبط هذه التحولات أيضاً بضغط الأسواق الدولية، خاصة الاتحاد الأوروبى، من خلال ما يُعرف بـ«آلية تعديل حدود الكربون»، التى تفرض معايير بيئية صارمة على المنتجات الزراعية المستوردة.

ومع ذلك، فإن التحديات لا تزال قائمة فى هذا القطاع، وعلى رأسها محدودية التمويل المتاح لصغار المزارعين، وغياب برامج تدريب فعالة لتأهيلهم على استخدام التقنيات الحديثة.

وتشير الدراسة إلى أن أى تحول أخضر فى الزراعة لا يمكن أن يتم بمعزل عن سياسات دعم زراعى واضحة، وإصلاح منظومة الإرشاد الزراعي، وتوفير التكنولوجيا بأسعار مناسبة.

أما فى قطاع الطاقة المتجددة، فتُقدر الدراسة أن تحقيق أهداف مصر فى هذا المجال قد يوفر ما يقرب من 2 مليون فرصة عمل جديدة خلال العقود الثلاثة المقبلة، خاصة فى مجالات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتحسين كفاءة الطاقة فى المبانى والمصانع.

وأوصت الدراسة بإنشاء برامج تدريب قومية تستهدف الشباب، وتوفر لهم تأهيلاً متخصصاً فى مجالات الطاقة المتجددة، إلى جانب منح حوافز ضريبية للشركات التى تلتزم بتشغيل هؤلاء الخريجين بعد تدريبهم.

أما قطاع صناعة السيارات، الذى تروج له الدولة بوصفه أحد روافد الاقتصاد الأخضر، خاصة من خلال التوسع فى إنتاج السيارات الكهربائية، فلا يزال فى مراحله النظرية، حسب ما توصلت إليه الدراسة. فحتى الآن لم تبدأ أى خطوط إنتاج حقيقية محلية للسيارات الكهربائية.

كما أن شبكة محطات الشحن لا تزال محدودة للغاية، وغير قادرة على دعم انتشار واسع لهذا النوع من المركبات.

وأوضحت الدراسة أن ثمة فجوة واضحة بين الأهداف المعلنة والسياسات الحكومية من جهة، والواقع الصناعى والبنية التحتية من جهة أخرى.

فالشركات العاملة فى القطاع تواجه تحديات تتعلق بندرة الفنيين القادرين على التعامل مع برمجيات السيارات الكهربائية، فضلاً عن ارتفاع تكلفة الإنتاج، وضعف الحوافز للمستهلكين فى ظل استمرار دعم الوقود التقليدىي. وأكدت الدراسة، أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر لا يقتصر على تطوير التكنولوجيا، بل يستلزم إعادة نظر شاملة فى طبيعة المهارات المطلوبة فى سوق العمل.

وشددت على أن التعليم الفنى والمهنى يجب أن يحتل صدارة الأولويات، كونه القناة الأسرع لسد الفجوات القائمة فى المهارات، خصوصاً فى القطاعات الإنتاجية.

ولفتت الدراسة إلى أن تخصصات مثل تقنيات الرى الحديث، وتركيب وصيانة الألواح الشمسية، وتشغيل توربينات الرياح، وبرمجة أنظمة السيارات الكهربائية، لا تزال غائبة أو ضعيفة التمثيل فى مناهج التعليم الفنى المصرى، ما يستوجب تحديثاً جذرياً فى السياسات التعليمية، وربطاً مباشراً بين مخرجات التعليم واحتياجات السوق.