
كانت درجات حرارة سطح الحلبة التي قاربت 50 درجة مئوية، ومعدل تآكل الإطارات المرتفع، كفيلَين بجعل إدارة الإطارات العامل الحاسم في سباق برشلونة. وكان كل شيء يوحي بأنّ مكلارين في طريقها لتحقيق ثنائية على أرض إسبانيا، لولا مباغتة ريد بُل وجرأتها في اللجوء إلى استراتيجية ثلاث توقفات غير تقليدية.
وقد استهدفت هذه المقاربة بالدرجة الأولى واحدة من أبرز نقاط قوة مكلارين: إدارة الإطارات خلال الفترات الطويلة. لهذا رأى فريق ريد بُل أن الهجوم المطلق باستراتيجية ثلاث توقفات هو الخيار الوحيد المتاح لمقارعة مكلارين – وفعليًا، في إحدى مراحل السباق، بدا وكأنّها قد تُفلح. لكنها لم تفعل.
إذ اختار فريق ريد بُل مبكرًا خوض سباق هجومي، خصوصًا بعد أن أظهر لاندو نوريس قدرته على تجاوز فيرستابن على الحلبة – في تباين صارخ عن سباق العام الماضي، عندما ساهم تردده في التجاوز في منح الهولندي الفوز. وكان واضحًا أن السبيل الوحيد للضغط على مكلارين سيكون عبر تجربة شيء مختلف.
وقال كريستيان هورنر بعد السباق: “نظرًا لمسار السباق، فقد اخترنا التوقف ثلاث مرات. واتخذنا القرار مبكرًا لأنّنا أدركنا أنه لن يكون ممكنًا مجاراة وتيرة مكلارين وقدرتهم على إدارة الإطارات في معركة مباشرة”.
وبات من المعتاد رؤية فيرستابن يحاول مجاراة مكلارين في المراحل المبكرة في السباقات الأخيرة، قبل أن يفقد السيطرة لصالح سيارة “ام.سي.ال39” الأفضل في الحفاظ على الإطارات. لهذا، بنى فريق ريد بُل استراتيجيته على أساس سباق هجومي – أتاحه أيضًا أداء الإطار اللين في برشلونة، والذي كان الأفضل في نهاية الأسبوع.
وقد تبدو هذه المقولة مخالفة للبديهة، لكنّ التركيبة الأقسى “سي1” لم تكن تعمل، إذ انزلقت كثيرًا بسبب غياب التماسك الميكانيكي، رغم أن سطح الحلبة خشن نسبيًا.
وبينما كانت ريد بُل تهاجم اعتمادًا على السرعة الخام ضدّ قدرات مكلارين على إدارة الإطارات، فإن التصميم العام للحلبة – الذي يتضمن العديد من المنعطفات الطويلة والسريعة – كان يُفترض أن يصب في صالح سيارة “آر.بي21” غير أن استراتيجية التوقف ثلاث مرات جاءت بمخاطرها: وأبرزها الوقت الضائع في التوقف الثالث (نحو 22 ثانية)، بالإضافة إلى خطر الوقوع في زحام السيارات المتأخّرة ، ما يُجهد الإطارات أكثر.
وفي التوقف الثاني، حين انتقل فيرستابن إلى الإطارات المتوسطة، لعبت ريد بُل ورقتها بذكاء، إذ راقب الفريق الفارق مع لويس هاميلتون بدقة كي يضمن خروج فيرستابن أمامه، مع محاولة إطالة فترة التوقف – وهنا بدأ السباق يزداد إثارة.
كانت مكلارين تراقب أداء فيرستابن عن كثب في البداية، دون أن تشعر بتهديد حقيقي. لكن عندما بدأ فيرستابن يقلّص الفارق بعد التحول إلى الإطارات المتوسطة واقترابه من نافذة التوقّف الأبكر للتجاوز، اضطر الفريق البريطاني للتفكير مليًا في كيفية الحفاظ على مراكزه.
وقال أندريا ستيلا مدير فريق مكلارين بعد السباق: “عندما رأينا أن ماكس في استراتيجية ثلاث توقفات، لم نشعر بالقلق، لأننا كنا قد تجاوزناه على الحلبة، وكان من المفترض أن نملك أفضلية في الوتيرة. لكن في الواقع، كان سريعًا جدًا”.
وتابع: “عندما انتقلنا إلى الإطارات المتوسطة، كنا ندير الوتيرة ونراقب الوضع، لكن ماكس بدأ يقلّص الفارق أسرع مما توقعنا. طلبنا من سائقينا الضغط أكثر، لكن ردهم كان شيئًا مثل: ‘لا أعتقد أن لديّ وتيرة إضافية’. عندها شعرنا ببعض القلق، خصوصًا مع وجود فارق بسيط بين أوسكار ولاندو”.
وأكمل: “لحسن الحظ، تمكن أوسكار من إيجاد وتيرة أعلى في نهاية القسم الثاني من السباق”.
وبالفعل، تُظهر بيانات اللفات أن بياستري رفع وتيرته بشكل واضح بعد التعليمات: من اللفة 24 إلى 42، إذ بلغ متوسطه 1:20.0 دقيقة، لكن في اللفات الأخيرة من ذلك القسم، انخفض إلى نحو 1:19.5، رغم أنّ الإطارات كانت مستهلكة بعد 20 لفة – ما يدل على أنّ السيارة ما زال لديها ما تُقدّمه عندما يتطلب الأمر ذلك.
ويعود هذا الفارق في الأداء إلى عوامل عدة. منذ يوم الجمعة، كان يُقال إنّ مقدمة “ام.سي.ال39” ليست مثالية – لذا حرص الفريق على عدم إجهاد الإطار الأمامي الأيسر، خصوصًا في المنعطف الثالث عالي السرعة. لكن حين أخبر المهندس توم ستالارد سائقه بياستري بإمكانية الضغط أكثر في هذا المنعطف، كشف الأسترالي عن كل قدرات السيارة، وخفّض أزمنته بسرعة.
أما لاندو، فقد دفع أكثر في المراحل الأولى، ولم يتمكن من مجاراة وتيرة بياستري لاحقًا. عانى من ضعف استجابة للمقدمة في المنعطف الثالث واشتكى من شعوره بوجود تحبّب في إطاراته، رغم أنّ الإطارات لم تكن تُظهر هذا السلوك، بل كانت تتعرض للاهتراء بسبب أسلوب قيادته.
ومع ابتعاد بياستري في الصدارة، استقر الفارق بين فيرستابن ونوريس، فلعبت ريد بُل ورقتها الأخيرة: توقف مبكر في المرحلة الثالثة في محاولة التجاوز عبر التوقّف الأبكر، حتى لو تطلب ذلك عدد لفات أكبر على نفس الإطار. غير أنّ مكلارين كانت في وضع يمكّنها من الردّ فورًا، وأدخلت نوريس مباشرة بعد فيرستابن.
كل هذا كان ممكنًا لأن مكلارين تتمتع حاليًا بأفضلية مزدوجة في المقدمة – سائقَين ضد واحد، وهي معضلة ينبغي على ريد بُل إيجاد حلّ لها قريبًا.
في هذه المقالة
ابقَ على اطلاع دائم واشترك الآن للحصول على تحديثات إخبارية عبر البريد الإلكتروني تُرسل إليك في الوقت الفعلي حول هذه الموضوعات!
اشترك في التنبيهات الإخبارية