تحولات مفاجئة.. ما الآثار الاقتصادية المتوقعة لاستبدال العملة السورية وتأثيرها على الأسواق المحلية؟

تتزايد حالة الترقب في الأسواق السورية مع اقتراب موعد طرح العملة السورية الجديدة التي ستشهد حذف صفرين من قيمتها، ما يدفع الأفراد إلى تعديل سلوكهم المالي بحثًا عن ملاذات أكثر أمانًا كالاحتفاظ بالدولار الأمريكي. هذا التوجه يمثل استجابة طبيعية للقلق الناتج عن تجارب سابقة من عدم الاستقرار النقدي وسياسات اقتصادية غير واضحة، وسط مخاوف من انفجار تضخمي محتمل وآمال في استعادة الثقة بالعملة المحلية.

مخاوف وتأثيرات التبديل على سلوك الادخار والعملات

يؤكد الخبير الاقتصادي مجدي الجاموس أن تحوّل الناس إلى الدولار في ظل هذه الظروف هو سلوك دفاعي مفهوم، يهدف إلى حماية المدخرات من الخسائر المحتملة؛ خاصة في مرحلة تحيط بها مخاوف التضخم وعدم اليقين الاقتصادي؛ إذ قد تؤدي عملية تبديل العملة إلى تحولات متباينة، فمن جهة قد يتسبب الأمر في ارتفاع معدلات التضخم، ومن جهة أخرى يمكن أن يدعم انخفاض سعر الدولار وتعزيز الثقة بالليرة الجديدة، لكن الخوف من المجازفة يجعل صغار المدخرين يفضلون الدولار كخيار أكثر أمانًا. ويشير الجاموس إلى أن المرحلة الانتقالية سترافقها حالة من اللغط بسبب التوتر الأمني والسياسي، ما يعمق القلق ويزيد من ميل المواطنين للاستثمار في العملات الأجنبية.

في سياق متصل، يؤيد الباحث الاقتصادي محمد علبي هذا التوجه ويعتبره رد فعل عقلاني لا نتيجة هلع، مستندًا إلى تجارب ماضية شهدت غياب الشفافية وعدم الاستقرار، ما يجعل من احتفاظ الناس بالدولار خيارًا دفاعيًا طبيعيًا في ظل غياب سياسة واضحة لسعر الصرف وإطار نقدي معلن. كما يسلط الضوء على ضرورة وجود خطة واضحة لترسيخ الثقة قبل وأثناء طرح العملة الجديدة.

الأثر النفسي لطرح العملة السورية الجديدة وتفاقم ظاهرة “الدولرة”

يشدد الجاموس على أن حذف صفرين من العملة السورية يحمل أبعادًا نفسية مهمة، حيث تخلق المقارنات بين القيم القديمة والجديدة، مثل العشر ليرات التي كانت تعادل ألف ليرة قبل الحذف، حالة من الارتباك لدى المستهلكين والتجار، مما يجعل الدولار الخيار الأسهل للدفع والتسعير، خصوصًا مع السماح الحالي باستخدام العملات الأجنبية. ويؤدي هذا إلى انخفاض الطلب على الليرة، ويكرس عادة التسعير بالدولار كما هو الحال في لبنان، وهذا يصعب السيطرة على ظاهرة “الدولرة” حتى بعد تنفيذ عملية الاستبدال.

ويحذر الجاموس من أن انخفاض الطلب على الليرة وانحسارها في السوق سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع معدلات التضخم، ويضعف قدرة المصرف المركزي على ضبط السيولة النقدية. لذلك، يقترح ربط الليرة بعملة مستقرة مثل الريال السعودي بسبب علاقات اقتصادية متنامية مع السعودية، وذلك للحفاظ على القيمة وتحجيم التقلبات أثناء عملية التبديل.

وفي الوقت ذاته، يعكس الباحث محمد علبي أن هذا السلوك سيزيد الطلب على الدولار، ما سيضغط على سعر الصرف الرسمي ويؤثر سلبيًا على الثقة بالعملة السورية الجديدة أو القديمة، إضافة إلى تسارع ظاهرة التسعير بالعملة الأجنبية بشكل غير رسمي، مما يعزز التضخم. ويذكر أن غموض التفاصيل التقنية، مثل طريقة صرف الرواتب وما إذا كانت تتم قبل أو بعد الانتهاء من الاستبدال، يفاقم حالة عدم اليقين ويضر بالثقة.

العامل الأثر المتوقع
المقارنات السعرية ارتفاع معدلات التضخم بسبب العامل النفسي
تزايد الطلب على الدولار ضغط على سعر الصرف الرسمي وتراجع ثقة الليرة
غياب سياسة سعر الصرف الواضحة تكرار ظاهرة “الدولرة” وتسعير بالعملات الأجنبية
زيادة المعروض النقدي مخاوف من انفجار تضخمي رغم نفي المصرف المركزي

مخاطر السيولة والانفجار التضخمي وتأثيرات مرحلة الاستبدال

يشير مجدي الجاموس إلى أن هناك كتلاً نقدية ضخمة تقدر بحوالي 40 تريليون ليرة مخزنة عند الناس، إضافة إلى أموال مزورة قد تخرج فجأة إلى التداول خلال تبديل العملة، وهذا قد يؤدي إلى زيادة حادة في عرض الليرة في السوق، مما يرفع من احتمالية انفجار تضخمي خطير. ويعتبر الجاموس أن ربط الليرة بعملة مستقرة ضروري لتقليل هذه المخاطر، مع ضرورة دعم النقد من دول صديقة لضبط الكتلة النقدية والسوق.

أما على صعيد مرحلة التبديل، فاليوم الأول يعد معيارًا حاسمًا يعكس تفاعل الناس ومدى تقبلهم للعملة الجديدة؛ فإن تبين ردود فعل إيجابية قد تتضمن تسهيل التعاملات المالية، وزيادة الثقة بالعملة، وتحريك الأموال المخزنة، أما العكس فسيعزز معدلات التضخم ويرسخ ظاهرة “الدولرة” ويربك الأسواق. ويرى الباحث محمد علبي أن فترة التبديل ستشهد ارتباكًا في الأسعار، وزيادة استغلال بعض التجار لرفع الأسعار أو تعليق البيع، إلى جانب المضاربات والتسعير الضمني بالدولار، ويتطلب التعامل مع هذه الظواهر إجراءات صارمة تشمل:

  • إعلان سياسة سعر صرف واضحة
  • تحديد آليات دقيقة لاستبدال العملة
  • توفير فترة كافية للاستبدال مع إمكانية التمديد
  • تكثيف الرقابة على الأسواق
  • إطلاق حملات توعية وخطاب شفافية لبناء الثقة تدريجيًا

كما يوضح حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر الحصرية، أن إطلاق العملة الجديدة وتنفيذ التعليمات المصاحبة يأتيان في إطار استراتيجية وطنية واسعة لتعزيز الاستقرار النقدي وترسيخ الثقة بالاقتصاد، وتحسين البيئة الاقتصادية. وتقوم هذه الاستراتيجية على خمس ركائز رئيسة تشمل الاستقرار النقدي، إنشاء سوق صرف ثابت وشفاف، بناء مؤسسات مالية فعالة، التسريع بالتحول الرقمي وآليات تمويل وتدريب مستدامة، إلى جانب تطوير العلاقات الاقتصادية الدولية المتوازنة.

أكد الحصرية أيضًا أن التحضير التقني يجري بشكل دقيق لتحويل حسابات المصارف تلقائيًا إلى العملة الجديدة، وحذف صفرين من قيمتها، مع ضمان تزامن عملية الاستبدال فترة تعايش بين العملتين تصل إلى 90 يومًا قابلة للتمديد دون زيادة أو نقصان في الكتلة النقدية، مستهدفًا معالجة مشاكل السيولة واستعادة الثقة بالقطاع المالي.

توضح هذه الخطوات أن نجاح مرحلة تبديل العملة السورية الجديدة يعتمد بشكل أساسي على قدرة الجهات المعنية على إدارة المرحلة الانتقالية بشفافية، ودقة، وانضباط، لتجنب تفاقم مخاوف التضخم وتعزيز الثقة تدريجيًا داخل الأسواق وبين المواطنين.

كاتب لدي موقع عرب سبورت في القسم الرياضي أهتم بكل ما يخص الرياضة وأكتب أحيانا في قسم الأخبار المنوعة