خسارة كبيرة .. وفاة الفنان الفلسطيني محمد بكري بعد أكثر من أربعة عقود من الإبداع الفني المتواصل

توفي الفنان الفلسطيني محمد بكري عن عمر يناهز 72 عامًا، تاركًا إرثًا فنيًا بارزًا في السينما الفلسطينية عبر أكثر من أربعة عقود، حيث تميزت أعماله بتجسيد القضية الفلسطينية بعمق سياسي وإنساني واضح. كان محمد بكري صوتًا فنيًا فريدًا، جمع بين التمثيل والإخراج ليعبر عن الواقع الفلسطيني بكل أبعاده.

بدايات محمد بكري الفنية وتطوره في السينما الفلسطينية المعاصرة

ولد محمد بكري في قرية البعنة بالجليل عام 1953، وانطلق في رحلته الفنية من خشبة المسرح، قبل أن يحترف السينما التي شهدت إبداعه في أدوار معقدة تعكس الأبعاد الاجتماعية والسياسية لوطنه. خلال ثمانينيات القرن الماضي، شارك في أفلام دولية بارزة مثل “Hanna K.” عام 1983 للمخرج كوستا جافراس، و”Beyond the Walls” عام 1984 التي تناولت فصولًا مأساوية من النضال الفلسطيني. تتابعت أعماله في أواخر الثمانينيات مع أفلام مثل “Rami and Julia” عام 1988 و”Sweet Lies” عام 1989 و”Cup Final” عام 1991، ما عزز مكانته كممثل بارز يُجيد التعبير عن السينما السياسية الفلسطينية بأسلوب قوي ومؤثر.

محمد بكري ودوره المحوري في تعزيز السينما الفلسطينية والتعبير عن القضية الفلسطينية

ارتبط اسم محمد بكري ارتباطًا وثيقًا بنمو السينما الفلسطينية الحديثة، حيث ساهم بشكل كبير في إرساء ملامحها المميزة من خلال أدواره في أفلام مهمة مثل “حكاية الجواهر الثلاثة” 1994 للمخرج ميشيل خليفي. كما تألق في أعمال مثل “حيفا” و”عيد ميلاد ليلى” و”ياسمين تغني”، التي عبّرت عن النضال الفلسطيني بحس إنساني عميق. ولم يقتصر اهتمام بكري على السينما الفلسطينية فقط، إذ شارك في إنتاجات خارجية مثل الفيلم الإيطالي “Private” عام 2004، الذي تناول حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال بنظرة إنسانية، وحصل من خلاله على جائزة «أسد المستقبل» في مهرجان فينيسيا، ما يدل على انتشار تأثيره الفني واهتمامه بتصوير القضية الفلسطينية عالميًا.

تجربة الإخراج الوثائقي لمحمد بكري وتأثيرها في إثراء السينما الفلسطينية الوطنية

لم يقتصر دور محمد بكري على التمثيل، بل امتدت إبداعاته لتشمل الإخراج الوثائقي، حيث تناول قضايا حساسة من خلال أفلام مثل “1948” الصادر عام 1998، و”Jenin, Jenin” عام 2002 الذي وثق الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين، وهو فيلم أثار جدلاً سياسيًا وقانونيًا أدى إلى منعه من العرض داخل إسرائيل. كانت تجربته الأخيرة في عالم الإخراج مع فيلم «اللي باقي منك» بالتعاون مع المخرجة شيرين دعيبس، الذي دخل ضمن المرشحين لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي لفئة الأفلام القصيرة، مما يبرز إرث محمد بكري الذي يتجاوز التمثيل إلى سرد القصص الوطنية من منظور فني عميق.

محمد بكري ترك بصمة لا تمحى عبر مسيرة فنية متجددة في المسرح والسينما الفلسطينية، ونجح في ترجمة تعقيدات الواقع الفلسطيني من خلال فنه، ما جعل اسمه حاضرًا بقوة في المشهد الفني العالمي كممثل ومخرج ملتزم برواية القضية الفلسطينية.

صحفية متخصصة في القضايا الاجتماعية وشؤون المرأة، تكتب بزاوية إنسانية تعكس نبض المجتمع وتسلط الضوء على التحديات والنجاحات في الحياة اليومية.