ألغاز الطهي .. لماذا الكشري مصري خالص وصنع من مكوناته اختراعات جديدة مذهلة؟

صنع المصريون طبق الكشري بتفرد واضح، حيث جمعوا بين مكونات مثل الأرز والحمص والبصل بطريقة تختلف تمامًا عن باقي أنحاء العالم، مما جعله طبقًا مصريًا أصيلًا يعكس أصالة المطبخ المحلي وتاريخه العريق.

تطور الأرز كمكون أساسي في طبق الكشري المصري

الأرز كان ولا يزال حجر الأساس في الكشري المصري، حيث استُخدم قديماً بأشكال متعددة في المطبخ المصري، من الأرز المفلفل إلى أطباق الأرز المختلفة مثل الأرز بالطماطم وأرز البزلاء وأرز اللحم وأرز الشعرية، مما يعكس تنوع استخداماته في الأطعمة التقليدية. كانت طريقة طهي الأرز من الأصول التي توارثتها الأجيال، كما سجلت أبلة نظيرة في ثلاثينيات القرن الماضي وصفات مفصلة لطهي الأرز بطريقة خاصة، مثل تغطيته بقطعة قماش ثم وضعه على إناء ساخن وتقليبه قبل إدخاله الفرن؛ وكان هذا الأرز يستعمل أساسًا في أطباق الكاري والكشري. يظهر هذا التنوع كيف أثرت المكونات المصرية في تكوين نكهة الكشري التي جعلته يختلف عن غيره من أطباق الأرز في العالم.

تاريخ طبق الكشري وأثر الحروب على مكوناته المصريّة

العدس، الحمص، البصل والأرز كانت مكونات مألوفة لدى المصريين قبل تسمية الطبق بالكشري، إلا أن الحرب العالمية الأولى كانت محطة مهمة في تغيير مكونات الكشري؛ إذ تأثر المصريون بالطعام الهندي الذي جُلب من جيوش الكتيبة الهندية المشاركة في الحرب، حيث كان يحمل الجندي علبة تحتوي على الأرز والعدس. المصريون دمجوا مكونات من أراضيهم مثل الحمص والدقة وحرفوا اسم الطبق لتصبح نكهة الكشري مميزة وخاصةً به، مع إضافة مكونات جديدة مثل المكرونة التي دخلت للمطبخ المصري من أوروبا، مما أضفى على الطبق شخصية مصرية خالصة ومختلفة كليًا عن أصله في الهند.

الصلصة وتاريخ إدخال الطماطم في إعداد الكشري

الصلصة التي ترافق طبق الكشري ليست من التوابل القديمة في المطبخ المصري، إذ لم تكن الطماطم معروفة في مصر والبلاد العربية حتى القرن التاسع عشر، حيث جلبها العرب من الهند عبر سوريا وتركيا. تختلف الصلصات في المطبخ المصري تاريخيًا بين البيضاء والبنية والباردة، وتستخدم فيها عناصر مثل البيض والبقدونس والجبن الرومي، أما صلصة الطماطم فهي إضافة حديثة نسبيًا لكنها أصبحت من أساسيات الكشري. تمثل الصلصة نقطة تحول في تقديم الأرز ومطابقته مع مكونات الطبق الأخرى كالحمص والبصل، مما يبرز الطبيعة الخاصة للكشري المصري.

منذ انتشار طبق الكشري في مصر، وُجدت ابتكارات عديدة حول تقديمه، سواء عبر العربات الجائلين بصوره المختلفة أو أساليب جلب الزبائن بالغناء، وهو ما رصدته السينما المصرية في مشاهد كثيرة. كما منحته اليونسكو مكانة تراثية تمثل التنوع والهوية المصرية، حيث أُدرج الكشري المصري ضمن القائمة العالمية للتراث غير المادي للإنسانية لعام 2025.

الصُنع المصري للكشري يجسد دمجاً فريداً للمكونات، ليس فقط بتجميعها، بل أيضًا باستخدام طرق طهي وابتكارات محلية جعلت من هذا الطبق أحد أسمى رموز الثقافة الغذائية المصرية، مع نكهة متفردة لا توجد في أي ثقافة أخرى.