أزمة المعادن النادرة.. كيف أزعجت الصين الصناعة الأوروبية وأعادت رسم خريطة النفوذ العالمي؟

تشكّل أزمة المعادن النادرة التي تثيرها الصين اليوم تهديدًا خطيرًا على الصناعة الأوروبية، إذ تعيد رسم خريطة النفوذ الصناعي العالمي بشكل غير مسبوق. تفرض بكين قيودًا مشددة على تصدير المعادن النادرة، مما يضع أوروبا أمام تحدٍ استراتيجي هائل يتعلق بتأمين مواردها الأساسية المستخدمة في الصناعات التكنولوجية الحديثة.

تأثير أزمة المعادن النادرة على الصناعة الأوروبية واستراتيجية الصين الجديدة

تُعد المعادن النادرة حجر الزاوية للصناعات التكنولوجية المتقدمة، إذ تدخل في تصنيع السيارات الكهربائية والطائرات والمعدات الدفاعية بالإضافة إلى توربينات الرياح وأشباه الموصلات، مما يجعل القرار الصيني الأخير بتشديد تراخيص التصدير صدمة للصناعة الأوروبية التي تعتمد إلى حد كبير على هذه المواد الحيوية. وفقًا لأستاذ الاقتصاد الفرنسي تيري ماير، فإن النظام الجديد يلزم الشركات التي تصدر معدات تحتوي على أكثر من 0.1% من المعادن النادرة بالحصول على تصريح رسمي، وتُرفض كافة الطلبات التي تخص الصناعات الدفاعية تلقائيًا. تؤدي هذه الإجراءات إلى تأخيرات قد تصل إلى 60 يومًا في منح التراخيص، وترخيصها لمدة ستة أشهر فقط، ما يمنع إنشاء مخزونات استراتيجية ويعرقل سلاسل الإمداد الحيوية.

المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية لتبعية أوروبا في المعادن النادرة

يبرز في أزمة المعادن النادرة خطر اعتماد أوروبا المفرط على المورد الصيني، فقد يصل الاعتماد إلى 70% من احتياجات الاتحاد الأوروبي سواء بشكل مباشر أو عبر سلاسل التوريد التابعة لبكين، مما يضع القارة في موقف هش يتأثر بأدنى توترات سياسية أو تجارية. يوضح الباحث تيري ماير أن هذا لا يمثل أزمة توريد عادية، بل هو تعبير عن تحول في موازين القوى الصناعية العالمية يعيد رسم الخريطة الاقتصادية، ويجعل أوروبا أمام معضلة ضمان مواردها بدون الوقوع في تبعية كاملة للصين. تواجه أوروبا تحديات مزدوجة تكمن في ارتفاع تكلفة الإنتاج بين 20 و40% مقارنة بالصين، مع مخاطر التضخم الصناعي الناتج عن ارتفاع أسعار المواد الخام أو توقف سلاسل التوريد، ما قد ينعكس سلبًا على نمو الصناعات وأسعار المنتجات.

المبادرات الأوروبية للحد من أزمة المعادن النادرة وتعزيز السيادة الصناعية

على خلفية هذه الأزمة، تعزز أوروبا جهودها الاستراتيجية لتقليل التبعية للصين من خلال مشاريع إنتاج معدنية محلية ومبادرات تشريعية تحفز على استخراج وتكرير المعادن داخل القارة. من بين هذه الخطوات افتتاح مصنع للمغناطيسات الدائمة في إستونيا تديره شركة كندية بدعم أوروبي بقيمة 14.5 مليون يورو، بهدف تزويد مصانع السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح بإنتاج يصل إلى خمسة آلاف طن سنويًا مستقبلاً. كما أعيد تشغيل مصفاة سولفاي الفرنسية بعد توقف دام عشرين عامًا، بالإضافة إلى مشاريع تكرير في لاك، مع خطة الاتحاد الأوروبي التي أعلن عنها عام 2023 تحت قانون “المواد الخام الحرجة” التي تستهدف استخراج 30% من المعادن خلال أوروبا، وتكرير 40% منها محليًا، وتغطية 25% من الطلب عبر إعادة التدوير بحلول عام 2030. ومع ذلك، يظل التقدم بطيئًا، في ظل الفجوة التكنولوجية والتكاليف المرتفعة مقارنة بالصين، مما يلقي الضوء على الحاجة الملحة لرؤية صناعية شاملة تجمع بين التمويل والابتكار والبحث في مجالات الاستخراج النظيف وإعادة التدوير لتعزيز السيادة الصناعية.

المشروع الموقع الهدف الدعم
مصنع المغناطيسات الدائمة نافرا، إستونيا إنتاج 2000 إلى 5000 طن سنويًا لتصنيع السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح 14.5 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي
تجديد مصفاة سولفاي لاروشيل، فرنسا إنتاج المغناطيسات بعد توقف 20 سنة فرنسي
مشاريع تكرير المعادن النادرة لاك، فرنسا زيادة إنتاج المعادن النادرة محليًا فرنسي

تهدف أوروبا إلى إعادة توازن علاقتها مع الصين بحيث ترتكز على شراكة متكافئة وليس تبعية، وتوظيف قانون المواد الخام الحرجة ودعم الابتكار لتقوية صناعتها المحلية. ولعل أزمة المعادن النادرة تبرز كحافز ضروري لتسريع هذه الخطى؛ إذ يبقى التحدي الأكبر هو كيفية حماية أمن الصناعة الأوروبية مع الحفاظ على مرونة السوق العالمية في ظل هيمنة الصين التي تسيطر حاليًا على أكثر من 90% من عمليات التكرير وما يزيد على 60% من الاستخراج العالمي لهذه المعادن.

صحفية متخصصة في القضايا الاجتماعية وشؤون المرأة، تكتب بزاوية إنسانية تعكس نبض المجتمع وتسلط الضوء على التحديات والنجاحات في الحياة اليومية.