تغيير غير مسبوق.. أمريكا تتدخل في سوق الصرف وتدعم عملة دولة أجنبية بعد نصف قرن من الترقب

تدخل الإدارة الأمريكية في سوق الصرف لدعم عملة الأرجنتين يُعد خطوة استثنائية أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية على حد سواء، لما تحمله من دلالات جديدة في استخدام الدولار كأداة ضغط وتأثير مالي مباشر.

البعد السياسي والاقتصادي لتدخل الإدارة الأمريكية في دعم عملة الأرجنتين

يُظهر تدخل الولايات المتحدة لدعم البيزو الأرجنتيني عبر شراء العملة وبيع الدولار، تحركًا لم يشهده السوق منذ سبعينيات القرن الماضي؛ فالوثائق الرسمية تؤكد أن وزارة الخزانة الأمريكية نفذت ثلاث عمليات في أكتوبر لشراء البيزو بهدف دعم الاقتصاد الضعيف في الأرجنتين المُكافح مقابل أزمة عملتها المحلية، وتدهور مؤشرات اقتصادية. ويرتبط هذا التدخل كذلك بصراع النفوذ الإقليمي مع الصين، خاصة مع التوسع الصيني في قطاعات الموارد المعدنية الأرجنتينية، إذ يسعى البيت الأبيض لتقليل الاعتماد على بكين عبر خط مبادلة بقيمة 20 مليار دولار. تعبر تصريحات الرئيس دونالد ترامب ووزير الخزانة سكوت بيسنت بوضوح عن الربط بين الدعم المالي والاستقرار السياسي للحكومة الأرجنتينية بقيادة خافيير ميلي، مما يكشف عن تداخل واضح بين السياسة والاقتصاد في هذه الخطوة.

تعامل الاقتصاد الأرجنتيني مع تداعيات تراجع البيزو رغم الدعم الأمريكي

على الرغم من الدعم الأمريكي الملحوظ، استمر البيزو الأرجنتيني في الانخفاض ليصل إلى مستويات قياسية عند 1476 بيزو مقابل الدولار، ما يطرح تساؤلات حول فعالية الدعم ومآلات الاقتصاد المحلي؛ فالاقتصاد لا يزال يعاني من هشاشة واضحة رغم الإصلاحات الجذرية التي نفذها الرئيس ميلي، والتي تضمنت خفض الإنفاق وخصخصة مؤسسات وتحريك الأسواق. التضخم انخفض بشكل كبير لكنه لا يزال مرتفعًا، والديون المترتبة على صندوق النقد الدولي تصل إلى أكثر من 57 مليار دولار، مع استمرار الضغوط على العملة المحلية. يرى بعض الاقتصاديين أن تحرير سعر الصرف قد يكون الخيار الوحيد القريب لوقف هذا التدهور، رغم المخاطر التضخمية المحتملة، مُعتبرين أن الدعم الأمريكي يشكل فقط صمام أمان مؤقت لاستقرار البيزو.

الدولار كسلاح سياسي مباشر واستراتيجية جديدة في السياسة الخارجية الأمريكية

يشير التدخل الأمريكي المباشر في سوق الصرف إلى تحول في أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، فمن خلال استخدام الدولار بطريقة مباشرة لشراء عملة أخرى في الأسواق الناشئة، تعبّر واشنطن عن تجربة جديدة لاستخدام نفوذها المالي بعيدًا عن العقوبات التقليدية أو الاتفاقيات البنكية البعيدة عن الأسواق المباشرة. يرى محللون أن اختبار الأرجنتين يمثل نموذجًا للحروب المالية التي يمكن أن تتكرر مع دول أخرى تواجه أزمات اقتصادية أو سياسية شبيهة، ويطرحون التساؤل حول ما إذا كانت هذه الخطوة بداية لسياق جديد من التدخلات الخارجة عن المألوف، أم مغامرة مؤقتة محفوفة بمخاطر مالية وسياسية قد تُكلّف الإدارة الأمريكية ثمنًا كبيرًا في المستقبل.