العقل المدبر مورينيو العرب.. محمد وهبي يصنع المجد ويقود إنجاز المغرب التاريخي في كأس العالم.
تُعد مسيرة محمد وهبي التدريبية مع منتخب المغرب للشباب نموذجًا فريدًا للإلهام والنجاح في عالم كرة القدم العربية، فهو يمثل حالة خاصة تشبه إلى حد كبير المدرب البرتغالي الشهير جوزيه مورينيو الذي بنى مجده التدريبي وهو على رأس أندية أوروبية كبرى دون أن يكون لاعبًا عظيمًا، لكن قصة وهبي، الذي وُلد في سكاربيك البلجيكية لعائلة مغربية، تحمل تفاصيلها المميزة حيث لم يمارس اللعبة بشكل احترافي على الإطلاق، ليصنع إنجازه من مقاعد البدلاء.
كأس العالم 1986: الشرارة الأولى في مسيرة محمد وهبي التدريبية
بدأت علاقة محمد وهبي العميقة بكرة القدم عندما كان طفلًا في العاشرة من عمره، حيث تابع بشغف كبير الحملة التاريخية لمنتخب أسود الأطلس في كأس العالم 1986 التي أُقيمت في المكسيك، وقد كان هذا الجيل الذهبي مصدر إلهام حقيقي له، فمشاهدة المغرب وهو يتصدر مجموعته القوية بعد فوز تاريخي على البرتغال بنتيجة 3-1 وتعادل سلبي مع إنجلترا، ليصبح أول منتخب عربي وأفريقي يتأهل للدور الثاني، أشعلت في داخله حب اللعبة، ورغم الخروج الصعب بهدف متأخر من ركلة حرة للاعب الألماني لوثر ماتيوس، فإن هذا الإنجاز التاريخي كان بمثابة الشرارة التي وضعت حجر الأساس لبداية شغفه بعالم التدريب بعد سنوات قليلة، ليشاء القدر أن يحقق هو الآخر إنجازًا موندياليًا بعد قرابة أربعة عقود على أرض أمريكية أخرى وهي تشيلي.
أسرار نجاح مسيرة محمد وهبي التدريبية: من أندرلخت إلى شهادة اليويفا
إن أساس نجاح مسيرة محمد وهبي التدريبية يكمن في التوازن المثالي بين الخبرة الميدانية والتطور العلمي، فقد بدأ رحلته في عالم التدريب مبكرًا في سن الحادية والعشرين مع أحد الأندية البلجيكية، لكن المحطة الأبرز في مسيرته كانت فترة عمله الطويلة مع قطاع الناشئين بنادي أندرلخت العريق، حيث قضى هناك سبعة عشر عامًا بين 2004 و2021، وهي الفترة التي صقلت موهبته في اكتشاف وتطوير المواهب الشابة، ولم يكتفِ بالخبرة العملية، بل حرص على تدعيمها بالدراسة الأكاديمية حتى حصل على شهادة “يويفا برو” التدريبية، وهي أعلى رخصة تدريب معتمدة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، مما يعكس عقليته الاحترافية ورغبته الدائمة في التطور.
خلال فترته في بلجيكا، ساهم وهبي في تكوين العديد من الأسماء اللامعة التي أصبحت نجومًا في سماء كرة القدم الأوروبية، ومن أبرز اللاعبين الذين تدربوا تحت إشرافه:
- جيرمي دوكو: النجم السريع الذي يتألق حاليًا في صفوف نادي مانشستر سيتي الإنجليزي.
- يوري تيليمانس: لاعب خط الوسط المحوري وأحد الركائز الأساسية في نادي أستون فيلا.
- مواهب أخرى عديدة: ساهم في تطوير لاعبين آخرين برزوا في الدوريات الأوروبية الكبرى.
حصاد مسيرة محمد وهبي التدريبية مع أسود الأطلس
تُوجت مسيرة محمد وهبي التدريبية بالعديد من الإنجازات الهامة منذ توليه قيادة منتخب المغرب تحت 20 سنة في عام 2022، حيث بدأ مشواره مع الأسود ببناء فريق قوي ومنظم، وقد ظهرت بصمته سريعًا حينما قاد المنتخب للتأهل إلى نهائي كأس شمال أفريقيا في نسخة 2023 وحصوله على المركز الثاني، لكنه عاد في نسخة 2024 ليحقق اللقب عن جدارة واستحقاق، كما قاد المنتخب المغربي في بطولة كأس أمم أفريقيا تحت 20 سنة التي أُقيمت في مصر خلال شهر مايو الماضي، ووصل إلى المباراة النهائية لكنه خسر اللقب بفارق ضئيل أمام منتخب جنوب أفريقيا بنتيجة 0-1، وكانت هذه التجارب بمثابة إعداد قوي للفريق قبل التحدي الأكبر.
جاءت اللحظة التاريخية بتتويج جهوده وقيادته للمنتخب المغربي لتحقيق لقب كأس العالم للشباب، وهو إنجاز غير مسبوق لكرة القدم المغربية والعربية على هذا المستوى، ليؤكد أن مسيرة محمد وهبي التدريبية لم تكن وليدة الصدفة، بل هي نتاج تخطيط دقيق وعمل دؤوب ورؤية واضحة، ليحول شغف الطفولة المستلهم من جيل 1986 إلى واقع ملموس يفتخر به كل المغاربة، وقد أثبت للعالم أن المدرب الكفء يمكنه أن يصنع التاريخ حتى لو لم يلمس الكرة كلاعب محترف.
وهكذا، يمثل محمد وهبي قصة نجاح ملهمة تجمع بين شغف الطفولة والأسس العلمية الصلبة، ليقدم للعالم نموذجًا للمدرب العربي الذي صنع التاريخ من مقاعد البدلاء، محققًا حلمًا بدأ بمشاهدة جيل 1986 الأسطوري وهو يسطر المجد في المكسيك.