ارتفاع استثنائي للذهب .. الأداء القوي يعود للطلب الاستثماري ودعم البنوك المركزية

الأداء القوي للذهب يرجع إلى ارتفاع الطلب الاستثماري المدعوم بمشتريات المؤسسات وصناديق المؤشرات، بالإضافة إلى زيادة شراء الأفراد من السبائك والعملات الذهبية التي استمرت في جذب المستثمرين رغم ارتفاع الأسعار. تلعب البنوك المركزية دوراً بارزاً في تعزيز هذا الطلب، حيث تمثل نحو 20% من السوق العالمي للذهب، مما يعكس أهمية المعدن كملاذ آمن في ظل التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية.

كيف يدعم الطلب الاستثماري السوق ويقود أداء الذهب؟

أوضح أندرو نايلور، رئيس قسم الشرق الأوسط والسياسة العامة في مجلس الذهب العالمي، أن الطلب الاستثماري كان المحرك الرئيسي لأداء الذهب القوي خلال الفترة الماضية، إذ شهدت مشتريات المؤسسات عبر سوق التداول خارج البورصة في لندن، إلى جانب صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب، زيادة ملحوظة ؛ كما استمر الأفراد في شراء السبائك والعملات الذهبية، محافظين على زخم الشراء رغم ارتفاع الأسعار المتواصل. وعلى الرغم من تراجع حجم الطلب على المجوهرات بسبب ارتفاع كلفتها، بقيت مبيعاتها بقيمة مرتفعة مما يؤكد أهمية الطلب الاستثماري كسند رئيسي للذهب. بدأ الزخم الصاعد منذ منتصف عام 2023، مع ظهور مؤشرات خفض أسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مما جذب المستثمرين الغربيين بعد فترة انقطاع، وسط تركيز الطلب الأكبر في آسيا والشرق الأوسط بنسبة 74%.

دور البنوك المركزية في تعزيز الطلب الاستثماري على الذهب وتأثيره على السوق

تسهم البنوك المركزية بدور مهم في سوق الذهب، فقد استمرت في شراء المعدن النفيس بشكل قوي رغم تراجع وتيرة الشراء مقارنة بمستويات 2022 القياسية؛ إذ يشكل الطلب المركزي ما يقارب 20% من الطلب العالمي. ويرى نايلور أن معظم البنوك المركزية تسعى لزيادة احتياطياتها من الذهب، مع استمرار دورها كفاعل رئيسي في السوق مستقبلاً. كما قام مجلس الذهب العالمي بتعديل توقعاته للطلب؛ حيث خفض توقع الطلب من البنوك المركزية نتيجة ارتفاع الأسعار، ورفع توقع الطلب الاستثماري، مدعوماً بانخفاض أسعار الفائدة المتوقعة، لا سيما في الولايات المتحدة، وتفاقم المخاوف حول ارتفاع الدين العام في الاقتصادات الكبرى. يُعد اتجاه أسعار الفائدة الأمريكية العامل الأهم الذي يجب مراقبته، إذ تعتمد حركة أسعار الذهب بشكل كبير على سياسات الفيدرالي، وبخاصة مع وجود احتمالات لتغيير قيادته.

العوامل الجيوسياسية والاقتصادية وتأثيرها على توجهات الطلب الاستثماري للذهب

تتفاعل أسعار الذهب بشكل مباشر مع تصاعد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية عبر مناطق عدة، في ظل توترات إقليمية متكررة وعودة الحواجز التجارية التي تشكل ضغطاً على الأسواق. إضافة إلى ذلك، يعزز التضخم المتصاعد من جاذبية الذهب كملاذ آمن يُفضله المستثمرون للحد من مخاطر التذبذب الاقتصادي. من العوامل المساعدة كذلك القلق المتزايد من التخلي عن الدولار، خاصة مع ارتفاع مستويات الدين في الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، مما يثير مخاوف بشأن استمرار الهيمنة العالمية للدولار كعملة احتياط. هذا التراجع في قيمة الدولار يجعل الذهب، الذي يُسعر بالعملة الأمريكية، أكثر جذباً للاستثمار عالمياً. علاوة على ذلك، أظهرت العلاقة الوثيقة بين مؤشر المخاطر الجيوسياسية وسعر الذهب أن ارتفاع المؤشر بمقدار 100 نقطة أساس يؤدي عادة إلى زيادة سعر الذهب بنسبة 2.5%، ما يبرز مدى حساسية السوق للتحولات السياسية والاقتصادية. أما في جانب التداول، فعادةً ما تتسبب الارتفاعات السريعة في سعر الذهب بنشاط تكتيكي مكثف من صناديق التحوط والمضاربين، مما يؤدي إلى تصحيحات سعرية قصيرة المدى مع تغليب التداولات قصيرة الأجل على الصفقات الاستراتيجية طويلة الأمد.

المنطقة نسبة النمو في الطلب الاستثماري خلال 2024 نسبة المشاركة في نمو أصول صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب
آسيا والشرق الأوسط 4% 56.4%
أمريكا الشمالية غير محدد 22%
أوروبا غير محدد 12%

يشير نايلور إلى اختلاف فروقات الأسعار بين الأسواق يعود للطبيعة المادية للذهب، حيث تؤثر الرسوم الجمركية والحصص والإمدادات الفعلية على تداول الذهب بعلاوة أو خصم، مثلما حدث في الهند التي تحولت من سوق خصم إلى سوق علاوة بسبب تغير المخزون الفعلي. بالتالي، يُبرز الذهب كخيار استثماري متنوع ومخزن للقيمة، خاصة في ظل الانكماشات في أسواق الأسهم وانعكاس العلاقة بينها وبين الذهب إيجابياً في أوقات الهبوط.

كاتب وصحفي يهتم بالشأن الاقتصادي والملفات الخدمية، يسعى لتبسيط المعلومات المعقدة للقارئ من خلال تقارير واضحة وأسلوب مباشر يركز على أبرز ما يهم المواطن.