رصاص ما قبل التاريخ.. سمٌّ غيّر مسار تطور دماغ الإنسان عبر العصور القديمة

واجه أسلافنا التعرض للرصاص منذ ملايين السنين، مما أثّر بشكل مباشر على تطور الدماغ البشري وقدرته على التكيّف مع الظروف البيئية المحيطة.

أدلة من الأسنان القديمة تكشف عن التعرض المستمر للرصاص وتأثيره في التطور البشري

قام الفريق البحثي بتحليل 51 سنًّا متحجرة تعود لأنواع من أشباه الإنسان والقردة العليا مثل الأوسترالوبيثيكوس والنياندرتال والهومو سابينس، معتمدين على تقنيات جيوكيميائية دقيقة لكشف آثار الرصاص داخل المينا والعاج والتي تشكلت أثناء مرحلة الطفولة، ما يشير إلى فترات متكررة من امتصاص المعدن السام من البيئة المحيطة أو من مخزون العظام خلال فترات المرض أو الإجهاد؛ هذه البصمات الكيميائية تمثل سجلاً مستمرًا لحوادث التسمّم القديمة، وتبرهن على أن التعرّض للرصاص ليس حديثًا ولا محصورًا في العصر الصناعي بل هو جزء أصيل من البيئة التي عاش فيها الإنسان عبر ملايين السنين، كما يعيد هذا الاكتشاف النظر في تأثير الرصاص على المسار التطوري وكيفية تفاعل الإنسان مع الملوثات الطبيعية في محيطه.

دور الجينات وتطور مقاومة الرصاص وتأثيرها على التواصل واللغة لدى الإنسان الحديث

في إطار دراسة التجارب المخبرية، استخدم العلماء نماذج “الأورجانويد” ثلاثية الأبعاد لمحاكاة أنسجة الدماغ؛ حيث قارنوا تأثير الرصاص على نسختين من الجين التطوري NOVA1، إحداهما تعود للنياندرتال وأخرى للإنسان الحديث، فتبين أن نسخة الإنسان القديم كانت أكثر هشاشة تجاه سمّية المعدن، مما أدى إلى اضطرابات في جين FOXP2 المرتبط بتطوّر مهارات النطق واللغة، بينما أظهرت نسخة الإنسان الحديث مقاومة أفضل لذلك التأثير؛ هذا التباين الجيني يشير إلى أن مقاومة الإنسان المعاصر للرصاص ساهمت في تعزيز قدرات التواصل واللغة، لتمنحه ميزة تطورية سمحت له بالتكيف بشكل أفضل مع الضغوط البيئية، وهو ما يعكس كيف أن التفاعل بين الجينات والعوامل البيئية يمكن أن يشكل مسارات التطور العصبي والسلوكي.

رصاص الماضي وأثره المستمر على صحة الإنسان وعلاقته بالبيئة السامة المعاصرة

كان مصدر الرصاص لدى أسلافنا يعود إلى المياه والتربة وربما النشاط البركاني، فيما تنتج مصادر هذا المعدن اليوم عن النشاط الصناعي والعوادم والدهانات، مما يجعله من أخطر الملوثات التي تهدد صحة الأطفال بشكل خاص في الدول النامية؛ تعكس هذه النتائج العلاقة الوراثية المعقدة التي تجمع الإنسان ببيئته، حيث يترك كل عامل بيئي أثراً في جيناتنا وفي سلوكنا عبر الأجيال، ويؤكد الباحثون أن فهم الإرث السام لهذا المعدن قد يساعد على تفسير اختلاف الاستجابة والتأثيرات الصحية بين البشر المعاصرين، فضلاً عن توجيه الاستراتيجيات الوقائية والعلاجية التي تتعامل مع مخاطر التعرض للرصاص.

المصدر القديم للرصاص المصدر الحديث
المياه والتربة والنشاط البركاني الصناعة، العوادم، والدهانات
تأثيرات على أدمغة النياندرتال خطر على صحة الأطفال في الدول النامية
تسمم متقطع على مدى ملايين السنين ملوث مستمر وخطير للبيئة والصحة العامة

كاتب وصحفي يهتم بالشأن الاقتصادي والملفات الخدمية، يسعى لتبسيط المعلومات المعقدة للقارئ من خلال تقارير واضحة وأسلوب مباشر يركز على أبرز ما يهم المواطن.