الانعكاسات الخفية.. كيف تؤثر الحروب اقتصاديًا وسياسيًا على العمل المناخي العالمي؟

تتجلى تأثيرات الحروب اقتصاديًا وسياسيًا على العمل المناخي بشكل واضح، خاصة في مناطق الصراعات المستمرة؛ حيث يُعَدُّ “تأثير الحروب على العمل المناخي” من القضايا الملحة التي تحتاج إلى فهم معمق لدورها في تعقيد جهود مواجهة تغير المناخ. بدأت الحرب العالمية الثانية بتحطيم شامل للبنى التحتية الطبيعية، إذ خلفت خسائر بشرية ومادية هائلة، إلى جانب تلوث إشعاعي ناتج عن استخدام الأسلحة النووية ومساحات كبيرة من تدمير الغابات التي كانت تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون، مما ساهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية.

كيف تقوض الحروب البيئة وتعرقل العمل المناخي

تُسيطر تأثيرات الحروب على الأنظمة البيئية الهشة، إذ تسارع النزاعات العسكرية من انهيار موارد الطبيعة المتجددة وتزيد من ضعفها. وفقًا للدكتور عمر الشوشان، تُسهم الحروب في تدمير الغطاء النباتي وتلوث المياه والبيئة عبر انسكاب النفط والذخائر المحتوية على معادن ثقيلة، ما يؤدي إلى اضطرابات بيئية مستدامة. في الصحارى العربية، يؤدي فقدان الغطاء النباتي إلى تصحر الصحارى وتراجع التنوع البيولوجي، وفي المناطق الاستوائية تضعف الغابات قدرتها على امتصاص الكربون، مما يعزز أزمة المناخ. الأمم المتحدة تصف البيئة كضحية غير معلنة في النزاعات، مع فترة تعافي تمتد لعقود عديدة بعد انتهاء الحروب. كما تؤدي النزاعات إلى نزوح السكان، ما يزيد العبء البيئي على المناطق المستقبلة، ويؤثر سلبًا على مواردها.

عدم استقرار سياسي واقتصادي وتأثيره على الالتزامات المناخية

تؤدي الحروب إلى تعثر الخطط الوطنية للمناخ، إذ ينعكس عدم الاستقرار السياسي على تنفيذ التزامات الدول تجاه الاتفاقيات الدولية؛ وخاصة في الدول العربية التي تعاني صراعات مستمرة. فقد أوضحت حنان كساس أن تعطيل تنفيذ استراتيجيات المناخ وفقدان الاستمرارية المؤسسية ناتجان عن تغيّر الأولويات الحكومية المستمر وانعدام التنسيق بين الجهات المعنية. علاوة على ذلك، يبرز التحدي المزدوج أمام صناع القرار؛ بين التعامل مع الأزمات الاقتصادية والأمنية ومحاولة إدماج الاعتبارات المناخية ضمن السياسات الوطنية. التعاون الدولي ضروري لدعم الدول المتضررة عبر تمويل فني ومالي يحقق العدالة المناخية بدلًا من زيادة أعبائها.

تداخل النزاعات مع المفاوضات المناخية واستهلاك الموارد العسكرية

تمثل الحروب حجر عثرة أمام تعاون الدول في قضايا المناخ، إذ تستهلك الموارد المالية الكبيرة المخصصة للأسلحة ميزانيات كان يمكن توجيهها لتعزيز المشروعات المناخية. وفقًا لإحصائيات عام 2024، بلغ الإنفاق العسكري العالمي 2.4 تريليون دولار، مقابل تمويل مناخي لا يتجاوز 100 مليار دولار للدول النامية، مما يعكس فجوة ضخمة تعيق جهود مواجهة التحديات المناخية. كما تؤدي الحروب إلى اضطرابات سياسية تُضعف الثقة بين الدول وتعرقل المفاوضات، كما حدث في أوكرانيا التي أدت الحرب فيها إلى عودة بعض الدول الأوروبية إلى استخدام الفحم والوقود الأحفوري، مما استُغل كذريعة من دول نامية لتأجيل تنفيذ الالتزامات المناخية. يضيف هذا العائق مزيدًا من التعقيد إلى مسارات مواجهة أزمة المناخ وتحقيق أهداف اتفاق باريس.

التأثير المثال النتيجة المناخية
تدمير الغابات ونظم بيئية طوكيو فقدت 98 ألف شجرة خلال وبعد الحرب العالمية الثانية تفاقم الاحتباس الحراري وتسريع التصحر
نزوح السكان وزيادة الضغط على الموارد النازحون إلى مصر من ليبيا والسودان وسوريا تلوث بيئي وتدهور البنى التحتية
ارتفاع الإنفاق العسكري 2.4 تريليون دولار ميزانية 2024 تراجع في تمويل الطاقة المتجددة والتكيف المناخي
تأخير تنفيذ التزامات اتفاق باريس حرب أوكرانيا وعودة الوقود الأحفوري تأجيل خفض الانبعاثات وعرقلة المفاوضات الدولية

تضاعف التغيرات المناخية من المخاطر في المناطق المتأثرة بالحروب؛ حيث ترتبط الأزمات الإنسانية والاجتماعية بأزمة المناخ، وتخلق ظواهر كالجفاف والتصحر وانخفاض الإنتاج الزراعي دوامات من الفقر والتشرد، ما يزيد الضغوط على البيئة والاقتصاد معًا. الحركات المدنية بدأت تربط بين العدالة المناخية والسلام المستدام، مؤكدين أن الاستثمار في حلول مناخية عادلة يشكل ركيزة للأمن البشري والاقتصادي.

في الجانب القانوني، لا يزال التلوث البيئي العسكري والجريمة البيئية غير معترف به رسميًا كجريمة مستقلة دوليًا، مع أن اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية تحظر الوسائل التي تسبب أضرارًا بيئية واسعة وطويلة الأمد في النزاعات المسلحة. هناك دعوات متزايدة لإدراج الإبادة البيئية ضمن نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، بما يحمي الطبيعة من الاستهداف الممنهج خلال الحروب. ويرى الخبراء ضرورة وجود إطار قانوني دولي جديد يربط بين الأمن البيئي والسلام المناخي؛ لأن حماية البيئة تعتبر عاملاً حيويًا لاستدامة المجتمعات وبناء السلام بعد النزاعات؛ فحين تتحول الطبيعة إلى سلاح، يصبح الإنسان ضحية مركبة للحرب وللتدهور البيئي في آن واحد.

صحفية متخصصة في القضايا الاجتماعية وشؤون المرأة، تكتب بزاوية إنسانية تعكس نبض المجتمع وتسلط الضوء على التحديات والنجاحات في الحياة اليومية.