المجمع الكيميائي في قابس التونسية.. معادلة فرص العمل وخسائر البيئة بين تحديات الواقع

المجمع الكيميائي في قابس: بين فرص العمل والتحديات البيئية الكبرى

يشكل المجمع الكيميائي في قابس التونسية محورًا حيويًا للاقتصاد المحلي، لكنه في المقابل بات يواجه تهديدات كبيرة بسبب التلوث البيئي المتصاعد الذي أثار قلق السكان وأدى إلى تكرار حالات الاختناق خلال الأشهر الأخيرة، مما يطرح تساؤلات حول التوازن بين فوائد المجمع الكيميائي وأضراره البيئية.

المجمع الكيميائي في قابس ودوره في تعزيز الإنتاج الوطني للفوسفات

يقع المجمع الكيميائي بمحافظة قابس، في منطقة غنوش على بعد حوالي 415 كيلومترًا من العاصمة تونس، وهو يوفر نحو 4000 فرصة عمل مباشرة، مما يجعله أحد الركائز الأساسية لدعم الاقتصاد المحلي. تأسس المصنع في عام 1972 كوحدة من وحدات المجمع الكيميائي التونسي الحكومي، معتمدًا على تحويل مادة الفوسفات إلى حمض فسفوري يستخدم في عدة صناعات. ومنذ سنوات السبعينيات، شهد المجمع توسعات شملت إنشاء وحدات لإنتاج سماد الفوسفات ثنائي الأمونيوم ومصنع لإنتاج نترات الأمونيوم في الثمانينيات. يعتمد هذا المركز الصناعي بشكل رئيس على الفوسفات القادم من مناجم قفصة المجاورة، لتصنيع الأسمدة ومواد كيميائية مختلفة تدخل في صناعات متنوعة كمياه الصودا ومواد التنظيف والمخابر. يشكل هذا الإنتاج حوالي 57% من إجمالي إنتاج الحمض الفسفوري على المستوى الوطني، حيث تصل الطاقة الإنتاجية إلى 330 ألف طن من الحمض الفسفوري سنويًا، و650 ألف طن من ثاني فوسفات الأمونيوم، ما يتيح دعم نمو الصناعات المرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر. وتسعى الحكومة التونسية إلى رفع قدرتها الإنتاجية من الفوسفات إلى 14 مليون طن بحلول عام 2030، متطلعة إلى الاستفادة من الطلب العالمي المتزايد على هذه المادة الحيوية.

أسباب التلوث وتأثير المجمع الكيميائي في قابس على البيئة والصحة العامة

يرى الخبير البيئي التونسي عادل بن سليمان أن التلوث البيئي في قابس ناتج بشكل رئيسي عن إنتاج المجمع الكيميائي لما يقرب من 6000 طن يوميًا من مخلفات الجبس الفوسفوري؛ والذي يُصرف جزء منه مباشرة في البحر دون معالجة أولية، خصوصًا على شاطئ السلام القريب، ما تسبب في تدهور البيئة البحرية والثروة السمكية في خليج قابس. يعاني السكان المحليون من تزايد واضح في الأمراض التنفسية والجلدية، إضافة إلى حالات سرطانية وتشوهات خلقية ومشاكل في الكلى والكبد، مما أدى إلى مطالبات ملحة بإغلاق المصنع ووقف مصادر التلوث. كان قابس سابقًا تشتهر بنظامها البيئي الساحلي الغني وأيضًا بقطاعها السياحي المزدهر الذي انهار لاحقًا مع تفاقم التلوث، حيث أغلقت معظم الفنادق وقلّت إنتاجية الثروة السمكية بشكل كبير، مما أثر سلبًا على الاقتصاد المحلي، لا سيما في الزراعة التي تنتج التمور والرمان.

الخسائر البيئية الناجمة عن مجمع الفوسفات الكيميائي بقابس والتدابير الحكومية

تُعد مادة الفوسفوجيبس الناتجة عن تحويل الفوسفات الطبيعي إلى حمض فسفوري من أخطر مخلفات المجمع الكيميائي، حيث تحتوي على إشعاعات نووية تهدد البيئة المحيطة والكائنات الحية. إضافة إلى ذلك، يتسبب المجمع في انبعاث غازات سامة تؤدي إلى مرض العديد من السكان الذين يتنشقونها. أظهرت دراسة للمفوضية الأوروبية عام 2016 أن وجود الفوسفوجيبس في البيئة البحرية أدى إلى تغيرات جذرية في النظم البيئية، وخاصة تدمير غابات أعشاب البوزيدونيا أو “الذريع البحري” التي تعتبر رئة البحر المتوسط. منذ بداية الأسبوع الأخير، تصاعدت موجة الاحتجاجات عقب تعرض عشرات التلاميذ لحالات اختناق نتيجة للغازات المنبعثة من المصنع. والتزامًا بالمسؤولية، اجتمع الرئيس التونسي قيس سعيّد مع وزيري الصناعة والبيئة لإصدار تعليمات بتشكيل فريق مشترك يعمل على إصلاح الأعطال الفنية للمجمع وتطوير خطة استراتيجية تهدف إلى وقف الممارسات الضارة بيئيًا بشكل مستدام، مستندًا إلى خطة أعدها شباب قابس قبل أكثر من عقد من الزمن.

المنتج الطاقة الإنتاجية السنوية (طن)
الحمض الفسفوري 330,000
ثنائي فوسفات الأمونيوم 650,000

صحفية متخصصة في القضايا الاجتماعية وشؤون المرأة، تكتب بزاوية إنسانية تعكس نبض المجتمع وتسلط الضوء على التحديات والنجاحات في الحياة اليومية.