الفوضى المتجددة في فرنسا.. هل تعيق النمو الاقتصادي وتطيح بالاستقرار المالي؟
استقالة رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان ليكورنو المفاجئة بعد أسابيع قليلة من توليه مهامه أثارت حالة من عدم الاستقرار السياسي والمالي التي تهدد مستقبل الاقتصاد الفرنسي، مما يطرح تساؤلات ملحة حول قدرة فرنسا على التعامل مع ديونها المرتفعة وتأثير ذلك على نمو الاقتصاد الأوروبي بشكل عام.
تداعيات الاستقالة على الأوضاع السياسية والمالية في فرنسا
تشكل استقالة سيباستيان ليكورنو، الذي أصبح خامس رئيس وزراء في فرنسا خلال أقل من عامين، انعطافة كبيرة في المشهد السياسي للبلاد، حيث تعمق الشلل في البرلمان المنقسم حول ضرورة تمرير ميزانية 2026 التي تشمل تخفيضات إنفاقية ضرورية، بحسب شبكة “سي إن بي سي”؛ ما أدى إلى تصاعد حدة التوتر في الأسواق المالية، حيث سجل عائد سندات الحكومة الفرنسية لأجل ثلاثين عاماً ارتفاعاً غير مسبوق خلال شهر، بينما انخفض مؤشر “كاك 40” الي جانب تراجع سعر اليورو مقابل الدولار، لتتفاقم الأزمة مع استقالة ليكورنو، التي وضعت الرئيس ماكرون تحت ضغط مستمر بعد فشل تشكيل حكومات أغلبية.
تحديات ديون فرنسا والعجز القياسي وتأثيره على الاقتصاد الأوروبي
يرتبط الانهيار السياسي في فرنسا بالأزمة المالية الهيكلية المستمرة التي تفاقمت بسبب فشل الحكومات المتعاقبة في تمرير ميزانيات تقلص الإنفاق وتزيد الضرائب، حيث بلغ عجز الميزانية 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، مع دين عام تجاوز 113%، متجاوزاً الحدود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والتي تقدر بعجز 3% ودين لا يتجاوز 60%، ما دفع بالعديد إلى وصف فرنسا بـ”الرجل المريض” في أوروبا؛ كما أدى هذا الواقع إلى هبوط سندات الدين السيادي وارتفاع عوائد لا تقل عن 3.6% لعشر سنوات، مع زيادة فروق العائدات مقارنة بالسندات الألمانية لأعلى مستوياتها منذ نهاية 2024، مما ضاعف المخاطر المالية على الاقتصاد الفرنسي.
خيارات ماكرون الصعبة وتوقعات تأثير الازمة على النمو الاقتصادي
مع استمرار تعثر تمرير الميزانية وتصاعد الأزمة، يواجه الرئيس إيمانويل ماكرون ثلاثة خيارات لا تخلو من الصعوبة: تعيين رئيس وزراء جديد يحاول تمرير الميزانية، أو الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة، أو حتى الاستقالة، رغم نفى الأخير لهذا الاحتمال؛ وتشير تحليلات الأسواق إلى احتمال توجه البلاد نحو انتخابات جديدة، مع توقع ارتفاع فروق العوائد إلى أكثر من 100 نقطة أساس، ما يزيد تكاليف الاقتراض ويعوق النمو الاقتصادي، إذ يتحول الوضع السياسي المتأزم إلى عامل سلبي مباشر يضغط على الاستثمار ويؤثر على ثقة المستثمرين.
الصدمة الاقتصادية المزدوجة وثقة المستثمرين المنهارة
تتضح الصدمة الاقتصادية والسياسية بشكل جلي من خلال الهبوط الحاد في مؤشر “كاك 40” وتراجع اليورو وارتفاع عوائد السندات الفرنسية بفعل الاستقالة المفاجئة، ما يعكس حالة عدم اليقين وانعدام الاستقرار في السوق المحلية والعالمية؛ ويعتبر هذا الارتفاع في العوائد دليلاً على المخاطر الناتجة عن الفوضى السياسية مع احتمالية تعثر الموازنة الجديدة لعام 2026، فيما تستمر الديون في التصاعد ليتجاوز صافي الدين الحكومي 3.17 تريليون يورو في منتصف 2025، مسجلاً أكثر من 107% من الناتج المحلي، مع تخفيض وكالة التصنيف الائتماني لفرنسا وتصنيفها إلى AA مع نظرة مستقرة، ما يعكس قناعة الأسواق بأن الأوضاع المالية ستظل متوترة لفترة طويلة.
تكلفة الأزمة على ماكرون والأسواق وتأثيرها على الشركات والأسر
لقيت الأسهم المصرفية الفرنسية انخفاضات تتراوح بين 4% و6%، ما أسهم في تضييق الائتمان وتأخير الاستثمارات الخاصة؛ ويرى المحللون أن الفشل في إعداد موازنة تقشفية قد يعرض فرنسا لضغوط أكبر وعقوبات من الاتحاد الأوروبي قد تشمل خفض التصنيف الائتماني مجدداً، مما يزيد تكلفة الاقتراض ويثقل كاهل الشركات والأسر؛ في حين يؤكد الخبراء أن الفوضى السياسية تؤثر سلباً على الاقتصاد بتباطؤ النمو بسبب ارتفاع تكلفة التمويل وضيق الخيارات المالية، خصوصاً مع فرض قيود إنفاقية بموجب القواعد الأوروبية الجديدة لعام 2025.
مخاطر متزايدة تهدد استقرار منطقة اليورو والنمو الأوروبي
حذر خبراء اقتصاديون، من ضمنهم طارق الرفاعي، من أن استمرار الأزمة السياسية والمالية في فرنسا قد يؤدي إلى تقويض الثقة في الاستقرار المالي لمنطقة اليورو بأكملها، مع احتمال انتشار أزمات الديون إلى دول أوروبية أخرى إذا لم تتم السيطرة على الوضع سريعًا؛ كما يرون أن تجدد الفوضى قد يعطل الإصلاحات ويحد من الاستثمارات، مما يبطئ النمو الاقتصادي ويزيد من هشاشة النظام المالي الأوروبي، حيث يزداد الضغط على البنك المركزي الأوروبي لاتخاذ إجراءات قد يكون لها تداعيات واسعة على الأسواق.
مؤشر | النسبة لعام 2024-2025 |
---|---|
عجز الميزانية الفرنسي | 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي (2024) |
مستوى الدين العام | 113% من الناتج المحلي الإجمالي (2024) |
صافي الدين الحكومي | 3.17 تريليون يورو (الربع الثاني 2025) |
تصنيف الائتمان الائتماني | AA مع نظرة مستقرة |
عائد سندات الحكومية لأجل 10 سنوات | 3.6% |
انخفاض مؤشر كاك 40 | 1.9% – 2% |