النجاح العالمي .. كيف تحولت التجربة الإماراتية إلى نموذج متكامل لمواجهة التطرف؟

تتسبب ظاهرة خطاب التطرف الديني في أزمات مجتمعية وأمنية عديدة، فقد ساهمت هذه الخطابات في تأجيج النزاعات وخلق موجات من العنف الطائفي الذي أدى إلى خسائر بشرية ومادية فادحة، مما دفع العديد من الدول إلى تبني استراتيجيات مجتمعية وفكرية تهدف إلى مواجهة هذه الظاهرة المتفاقمة. دراسة «تفكيك خطاب التطرف الديني: دراسة فقهية تحليلية» للمفكر الإماراتي الدكتور خليفة الظاهري تقدم رؤية عميقة لفهم أسباب التطرف الديني وآليات مواجهته، من خلال مناهج علمية ترتكز على مقاصد الشريعة.

تحليل خطاب التطرف الديني وأثره في زيادة النزاعات المجتمعية

يرتكز خطاب التطرف الديني على اجتزاء النصوص الشرعية من سياقاتها الحقيقية، ما يساهم في تحريف المفاهيم الدينية، ويؤدي إلى تبرير العنف والتكفير كوسيلة لإقصاء الآخر، مع إلغاء دور العقل في فهم الدين، وهو ما يفاقم حالة الانقسام الاجتماعي. يتبين من دراسات الدكتور خليفة الظاهري أن خطاب التطرف ليس ظاهرة عشوائية أو طارئة، بل نتيجة تراكمات فكرية وفقهية واجتماعية معقدة، تغذيها بيئات نفسية واجتماعية معينة. تعتمد منهجية الدراسة على تفكيك هذه البنى والمفاهيم الخاطئة وإعادة بنائها وفق مقاصد الشريعة التي تحفظ تماسك المجتمع وقيم التعايش.

المقاصد الشرعية كإطار لإعادة بناء الخطاب الإسلامي الوسطي وتحييد التطرف

تكمن قوة هذه الدراسة في اعتمادها على المقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية، التي تحكم بحفظ النفس والعقل والدين والمال والأعراض، بهدف حماية الحياة وضمان العدالة والسلام. من هذا المنطلق، يُعاد تفسير مفاهيم مثل الجهاد والحاكمية بما يتناسب مع واقعنا، بعيدًا عن التفسير السياسي الضيق الذي يستخدم الدين كأداة للهيمنة. وتسلط الدراسة الضوء على أهمية إعادة ضبط أفكار التكفير، التي يجب أن ترتكز على شروط صارمة، معتبرة أنها باب واسع للفتنة إذا ما أسيء استعمالها.

التجربة الإماراتية في مواجهة خطاب التطرف الديني: نموذج تطبيقي رائد

تمثل دولة الإمارات نموذجًا عمليًا في مواجهة خطاب التطرف عبر دمج التعليم والتأهيل الفكري مع الإجراءات الأمنية والقانونية، مما أسهم في تحقيق استقرار أمني ملحوظ دون وقوع حوادث إرهابية في سنوات عدة. تدعم الإمارات سياساتها بمجموعة قوانين فدرالية لمكافحة الإرهاب والتطرف، إلى جانب مراكز متخصصة مثل مركز هداية ومركز مناصحة التي تقوم بدور فعال في تعزيز التسامح والتعايش. كما تبرز الإمارات أهمية الوثائق الدولية مثل وثيقة أبوظبي للأخوة الإنسانية التي تؤكد على المشترك الإنساني كقاعدة مهمة للحفاظ على المجتمع والدولة.

تعتمد الدراسة على منهج تحليلي يتناول العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تغذي التطرف، كما توازن بين التحليل النظري والتطبيق العملي لضمان مواجهة شاملة للظاهرة، معتبراً أن التفكيك المنهجي يعد الخطوة الأولى نحو إعادة التفكير في النصوص الدينية وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يروج لها المتطرفون. هذه الرؤية تدفع إلى خطاب إسلامي متجدد يعتمد على الثوابت بقلب مرن قادر على مواكبة التطورات العالمية، بما يحمي الأمة من خطر التطرف ويحفظ هوية الدين وقيم المجتمع في آن واحد.