انسداد السوق.. لماذا لا تصل أعمال فناني تونس إلى جمهور المشرق العربي وتواجه تحديات الانتشار؟

تواجه الأغنية التونسية تحديات كبيرة في الوصول إلى جمهور المشرق العربي، رغم تميزها وتنوعها الفني؛ فتظل أعمال نجوم الغناء التونسي غير قادرة على اختراق السوق الغنائي في هذه المنطقة الحيوية. هذا الواقع أثار تساؤلات عدة لدى الفنانين والنقاد التونسيين والعرب، الذين ناقشوا الأسباب والعقبات التي تحد من انتشار الأغنية التونسية في المشرق العربي واقترحوا حلولًا متعددة لتعزيز انتشارها.

أسباب ضعف انتشار الأغنية التونسية في المشرق العربي يُبرزها خبراء الفن التونسي

يشير الفنان محمد الجبالي إلى أن غياب شركات إنتاج متخصصة وإدارة أعمال محترفة يمثلان عقبة رئيسية تحجب الأغنية التونسية عن الجمهور المشرقي، فالفنان التونسي غالبًا ما يعمل بشكل مستقل، كما أن الإعلام المحلي لا يبذل جهداً كافياً لدعم الفن التونسي وتسويقه؛ مما يقلل فرص نجاحه. هذا النقص في التنسيق والإعلام يؤدي إلى تفويت فرص التعريف بالإنتاج الموسيقي، رغم وجود قاعدة قوية من الشعراء والملحنين والموزعين الأصوات المميزة في تونس.

على الجانب الآخر، تعتبر الفنانة نوال غشام أن العائق الأساسي مرتبط بصعوبة فهم اللهجة التونسية لدى الجمهور المشرقي، إذ يرى معظم المتابعين أن اللهجة التونسية غير مألوفة لهم، مما يؤثر على مستوى قبول الأغنية وانتشارها. وعلى الرغم من دور منصات التواصل الاجتماعي في تسهيل وصول الأغاني، تظل اللهجة حاجزًا أمام التفاعل الكامل، خصوصًا أن السياحة التونسية ترتكز على الأوروبيين والغرب، ما يحد من التعرف العربي على الثقافة التونسية. كما تنتقد غشام ضعف الإمكانيات الإنتاجية وغياب الدعم المؤسسي الذي يعيق الإبداع ويجعل مجال الأغنية الوترية من أكثر الفنون المتضررة في تونس.

بدوره، يرى الفنان نور شيبة أن مهرجان قرطاج الدولي يمثل بوابة مهمة لتسويق الأغنية التونسية، إلا أن غياب شركات الإنتاج المتخصصة يضعف فرصة استثمار هذه المنصة المميزة. ويرى شيبة أن شركات الإنتاج العربية لا تستثمر بشكل كافٍ في اللهجة التونسية رغم جمالها وتنوعها، معرباً عن أسفه لأن الفنانين العرب المشاركين في المهرجان لا يغنون باللهجة التونسية رغم الفرصة المتاحة. كما يثني على مبادرات بعض الفنانين العرب الذين قدّموا أغاني باللهجة التونسية، معتبرًا أن دعم الدولة لإنشاء صندوق مخصص لتسويق الإنتاج التونسي سيكون خطوة ضرورية لتعزيز انتشار الأغنية.

التحديات اللغوية والاقتصادية أمام انتشار الأغنية التونسية في المشرق العربي

الفنانة لمياء الرياحي تؤكد أن غياب الاستثمار في القطاع الفني التونسي يعد من أهم التحديات التي تواجه الأغنية التونسية، مبيّنة أن غياب شركات الإنتاج الحقيقية وعدم توفر منصات تصوير محترفة يعرقل مساهمة الفنانين في السوق العربية. ورغم أن اللهجة التونسية ليست هي العقبة الوحيدة، فإن بدون دعم المؤسسات الفنية والاقتصادية لن تتمكن الأغنية من فرض نفسها في بيئة تنافسية كهذه. وتضيف أن تفعيل دور السوشيال ميديا مهم لكنها غير كافية من دون سياسة واضحة واستراتيجية دعم فنية.

أما الفنانة آمنة فاخر فتوضح أن دعم شركات الإنتاج الكبيرة ضرورة لا غنى عنها للوصول إلى الجمهور العربي، مشيرة إلى أن اللهجة التونسية تمثل عائقًا نسبيًا، إذ حققت نجاحات أكبر عندما غنت بلهجات خليجية. وقد تلقيت أغنياتها باللهجة الخليجية قبولًا واسعًا في بلدان المشرق العربي، مما يؤكد أهمية تنويع اللهجات لزيادة الانتشار. وتؤكد فاخر أن الدعم المؤسسي قوي الدور، خاصة دعم وزارة الشؤون الثقافية، لتعزيز حضور الأغنية التونسية في الساحة العربية.

أما النقيب ماهر الهمامي فيسلط الضوء على مسؤولية الإعلام التونسي في تقزيم المنتج المحلي، حيث يميل إلى تسليط الضوء على المحتوى الأجنبي في نسب البث والتغطيات، مما يصعب تسويق أغاني الفنانين المحليين. ويضيف الهمامي أن الكثير من الفنانين لا يستغلون منصات التواصل الاجتماعي بشكل كافِ كوسيلة أساسية للوصول للجمهور العربي، كما يفتقدون إلى مؤسسات لإدارة الأعمال والتسويق بشكل مهني.

آليات التسويق وصعوبة اللهجة تونسية في توسيع جمهور الأغنية التونسية

يرى الناقد الموسيقي مصطفى حمدي أن حاجز اللهجة التونسية أمام الجمهور المشرقي ذو تأثير قوي، حيث إن الجمهور معتاد على اللهجات المصرية واللبنانية والخليجية التي تملك انتشارًا واسعًا، ولهذا فإن الفنانيين التونسيين الذين اعتمدوا هذه اللهجات حققوا انتشارًا ملموسًا. كما يشير إلى أن ضعف آليات الإنتاج والتسويق الفني في تونس شكل عائقًا إضافيًا، رغم وجود نماذج قديمة من الأغنية الفلكلورية التونسية نجحت في المشرق مثل أغنية “سيدي منصور”. ويؤكد حمدي أن الجيل الجديد من الفنانين يركز على الجمهور المحلي فقط، متجاهلًا أهمية تسويق أعماله عربياً.

من جهتها، ترى الناقدة فاطمة عبدالله أن المشكلة تتعدى جودة الفن نفسه إلى مسارات العبور الثقافي والتوزيعي، لأن هناك انقسامًا بين الفضاء المغاربي الذي يعتمد على الفرانكفونية والسوق الأوروبي، والفضاء المشرقي الذي مركزه القاهرة وبيروت، ما يضعف جسور التواصل بين الطرفين. كما تؤثر الفجوات اللغوية، اختلاف الذائقة، وعدم توفر الدعم اللوجستي مثل التأشيرات وصناديق الإقامة الفنية على تراجع انتقال الأغنية التونسية إلى المشرق. وتشير إلى أن عامل الترويج والتعريب والإستراتيجيات الرقمية المؤسسية ضرورة حتمية لتجاوز هذه العقبات.

التحدي الوصف التأثير على الأغنية التونسية
غياب شركات الإنتاج قلة وجود شركات إنتاج محترفة ومتخصصة في تونس تقصير في التسويق والتنظيم، ضعف فرص الانتشار
حاجز اللهجة صعوبة فهم اللهجة التونسية من قبل جمهور المشرق تأخر قبول الأغنية وانتشارها في الفضاء العربي
ضعف الإعلام المحلي تركيز الإعلام التونسي على المحتوى الأجنبي وتقزيم المنتج المحلي تراجع فرص التسويق والدعم المحلي
الافتقار إلى الدعم المؤسسي غياب سياسات واضحة وتخصيص ميزانيات للقطاع الفني تراجع الإبداع وصعوبة إنتاج الأعمال بشكل احترافي
انقسام المسارات التوزيعية فصل كامل بين الفضاء المغاربي والمشرقي والترويج المختلف ضعف انتقال الأعمال الفنية بين الضفتين

يمكن القول إن النجاح في توسيع انتشار الأغنية التونسية في المشرق العربي يتطلب استراتيجيات متكاملة تشمل دعمًا مؤسسيًا قوياً، تطوير الشركات الإنتاجية المتخصصة، الاستثمار في إدارة الأعمال والتسويق، والتغلب على العقبات الثقافية واللغوية تدريجيًا. كما يبقى استثمار المنصات الكبرى مثل مهرجان قرطاج ودعم الإعلام الوطني من المحركات الأساسية لبناء جسر قوي يربط الأغنية التونسية بالجمهور العربي الأوسع. هذه الخطوات تفتح المجال لفنانين جدد ليحققوا الانتشار والقبول الذي يستحقه الصوت التونسي المميز بين أقرانه في المنطقة.

كاتب لدي موقع عرب سبورت في القسم الرياضي أهتم بكل ما يخص الرياضة وأكتب أحيانا في قسم الأخبار المنوعة