أسعار الفائدة الصفرية تعود إلى المشهد العالمي: ماذا يعني ذلك للاقتصاد؟

شهد العالم قبل أكثر من عقد أزمة مالية حادة دفعت البنوك المركزية الكبرى إلى اتخاذ خطوات غير مسبوقة، منها خفض أسعار الفائدة إلى مستويات تقترب من الصفر وأحيانًا دونها، ما أدى إلى مرحلة تعرف بـ”زمن الصفر” في السياسة النقدية؛ وهذا المصطلح يثير اليوم تساؤلات متجددة حول احتمال عودته وسط تقلبات اقتصادية عالمية.

تغيرات أسعار الفائدة وتأثيرها على الاقتصاد العالمي في زمن الصفر

استمرار ما عرف بعصر السيولة الرخيصة دفع المستثمرين إلى المغامرة والتعامل بحذر مع اقتصادات متقلبة، مما أدى إلى إعادة تشكيل قواعد اللعبة المالية العالمية؛ فبعد سنوات من خروج تدريجي من تلك المرحلة، ما زالت بيانات اقتصادية مثل تباطؤ سوق العمل في الولايات المتحدة، وضعف معدلات التضخم في أوروبا، وتسارع الأجور في اليابان، تثير تساؤلات عن مدى قرب عودة “زمن الصفر”. البنوك المركزية الآن تلعب دورًا رئيسيًا في رسم ملامح الأسواق المالية، حيث أن قراراتها حول أسعار الفائدة لا تؤثر فقط على تكلفة الاقتراض، بل تحدد أيضًا مدى الثقة في الاقتصاد العالمي، وتؤثر في حركة رؤوس الأموال بين أهم العواصم المالية.

التوقعات الحالية لأسعار الفائدة: بين خفض الفيدرالي وتحفظ المركزي الأوروبي

في الولايات المتحدة، تتصاعد التوقعات ببدء مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة خلال الفترة ما بين سبتمبر وديسمبر 2025، بعد تباطؤ ملحوظ في سوق العمل وتراجع أرقام الوظائف الجديدة؛ فقد أظهرت المراجعات انخفاضًا بنحو 911 ألف وظيفة عن السابق، فيما جاءت بيانات أغسطس أضعف من التوقعات، مما عزز قناعة المستثمرين بضرورة دعم اقتصادي عبر تخفيض تدريجي للفائدة. بالرغم من أن الفيدرالي ثبت معدلات الفائدة مؤخرًا عند 4.25%-4.5%، إلا أن عقود الفيوتشر تعكس توقعات لثلاث تخفيضات محتملة خلال عام 2025. هذا المسار التدريجي يبعدنا عن احتمالية العودة إلى “زمن الصفر” في المستقبل القريب، لكنه يعكس تحديًا حقيقيًا في التوازن بين دعم النمو والحد من التضخم المستمر.

وفي المقابل، يتسم البنك المركزي الأوروبي بسياسة أكثر تحفظًا، مع سعر فائدة على عمليات إعادة التمويل عند 2.15% وسعر إيداع 2%، وهما أقل من ذروتهما في 2024 التي تجاوزت 3.75%؛ المحللون يتوقعون بقاء البنك في مرحلة المتابعة والمراقبة، مع احتمالية خفض محدود أو تأجيل أي تغييرات، خاصة في ظل استمرار تماسك الاقتصاد الأوروبي. هذا التخوف من خفض سريع يحافظ على تقلبات اليورو مقابل الدولار ويجعل أسواق الأسهم الأوروبية أكثر حذرًا مقارنة بنظيرتها الأمريكية.

اختلاف سياسات البنوك المركزية بين اليابان وبريطانيا وتأثيرها على الأسواق

تمثل اليابان حالة استثنائية في عالم السياسة النقدية، حيث يواصل بنك اليابان رفع أسعار الفائدة تدريجيًا منذ ربيع 2024، ووصل السعر الأساسي إلى 0.5%، بعد عقود من معدلات سالبة. هذا الإجراء يعكس ارتفاعًا مستمرًا في الأجور وتضخمًا يتجاوز الهدف المركزي، ما يعزز قوة الين أمام الدولار والعملات الأخرى، لا سيما إذا لجأ الفيدرالي إلى تخفيض معدلاته. في المقابل، يتبع بنك إنجلترا نهجًا أكثر حذراً حيث يصل سعر الفائدة الأساسي إلى 4% فقط، وهو نتيجة سلسلة من الرفع المكثف للسياسة النقدية خلال 2022 و2023 لمواجهة تضخم غير مسبوق، قبل أن يبدأ خفضًا تدريجيًا متوقعًا مع بداية 2025 وسط تباطؤ اقتصادي ملحوظ.

تأثير تباين سياسات البنوك المركزية على المستثمرين والأسواق

تخلق اختلافات السياسات النقدية بين البنوك المركزية العالمية بيئة متقلبة للأسواق المالية، إذ تؤثر على أسعار الصرف وتزيد من صعوبة اتخاذ قرارات استثمارية عبر الحدود؛ فخفض الفيدرالي قد يمنح الأسهم الأمريكية زخمًا جديدًا، ويخفض قيمة الدولار مقابل اليورو والين، بينما يؤدي تحفظ المركزي الأوروبي إلى حالة من الترقب بين المستثمرين، مما قد يدفعهم إلى ملاذات آمنة كالذهب والسندات. يبقى عامل التضخم هو المحدد الأكبر، فإذا استمرت معدلات الأسعار مرتفعة في مناطق مختلفة، فإن حيز التحرك لخفض أسعار الفائدة سيضيق. وعلى أساس هذا الواقع يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات:

  • سلسلة تخفيضات تدريجية من الفيدرالي حتى نهاية 2025 مع تريث أوروبي وتحركات نقدية أكثر تشددًا في اليابان، ما يخلق بيئة فائدة منخفضة لكنها بعيدة عن الصفر.
  • هبوط مفاجئ في التضخم العالمي يقود إلى موجة خفض متزامنة للفائدة عالمياً، مما يعيد شبح “عصر الصفر” لكن في ظروف صدمة اقتصادية كبرى.
  • ارتفاع غير متوقع في الأجور أو أسعار الطاقة يعيد الضغوط التضخمية، ويدرُج البنوك المركزية نحو تثبيت أو رفع الفائدة مجددًا.

يبقى شبح “زمن الصفر” يحوم فوق أذهان المستثمرين والمحللين، تذكيرًا بأن قرارات السياسة النقدية الكبرى تبقى مرهونة بالصدمات الاقتصادية التي قد تعيد عقارب الزمن إلى تلك المرحلة غير المسبوقة.

البنك المركزي سعر الفائدة الأساسي الحالي (%) الملاحظات
الاحتياطي الفيدرالي 4.25 – 4.5 نطاق ثابت منذ يوليو 2025
البنك المركزي الأوروبي 2 – 2.15 بعد خفض تدريجي
بنك إنجلترا 4.00 خُفض في أغسطس 2025
بنك اليابان 0.50 أوصى بالاستقرار بعد رفعه في يناير 2025
البنك الوطني السويسري 0.00 خُفض في يونيو 2025

كاتب لدي موقع عرب سبورت في القسم الرياضي أهتم بكل ما يخص الرياضة وأكتب أحيانا في قسم الأخبار المنوعة