المحكمة الدستورية العليا تفتح صفحة جديدة في نزاع قانون الإيجار القديم المستمر
تفتح المحكمة الدستورية العليا في مصر ملف قانون الإيجار القديم المعدّل بالقانون رقم 164 لسنة 2025، ما يمثل نقطة تحول في العلاقة بين الملاك والمستأجرين بعد سنوات طويلة من الجدل والتوتر الاجتماعي والاقتصادي الكبير حول عقود الإيجار القديمة.
تطور أزمة الإيجار القديم في مصر وأصولها التاريخية
تعود جذور أزمة الإيجار القديم في مصر إلى تحولات تاريخية واجتماعية تعاقبت عبر قرن من الزمان؛ بدءاً من تأثير الحروب العالمية التي دفعت الدولة إلى تنظيم العلاقة بين الملاك والمستأجرين عبر قوانين تحد من رفع الإيجار وتمنع الإخلاء إلا بحكم قضائي، مثل قانون 11 لسنة 1920 وقانون 151 لسنة 1941. في حقبة ما بعد ثورة 1952، تبنّت الدولة سياسات اشتراكية هدفت إلى حماية محدودي الدخل، حيث صدرت عدة قوانين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لتنظيم الإيجارات السكنية وتقليص قيمها. ثم جاءت قوانين 1977 و1981 لترسي مبدأ الامتداد القانوني لعقود الإيجار لجيل واحد من الورثة، فيما أتى قانون 4 لسنة 1996 ليعيد ترتيب الأمور عبر إخضاع العقود الجديدة للقانون المدني، منهيًا بذلك الامتداد القانوني ومثبتًا الأجرة لتلك العقود، مع إبقاء أوضاع العقود القديمة قائمة دون تعديل.
القانون رقم 164 لسنة 2025: خطوات إصلاحية لإنهاء أزمة الإيجار القديم تدريجياً
تضمن القانون الجديد 164 لسنة 2025 إجراءات «فض الاشتباك» مع سنوات التجاذبات الطويلة بين الأطراف، عبر مجموعة بنود أساسية، إذ تنهي عقود الإيجار السكني بعد سبع سنوات من تاريخ العمل به، بينما تنتهي عقود الوحدات غير السكنية بعد خمس سنوات؛ بينما تشهد قيمة الإيجار زيادات دورية سنوية بنسبة 15% خلال فترة انتقالية، مع تحديد إيجار جديد يعتمد على تصنيف المناطق بين متميزة ومتوسطة واقتصادية، وذلك عبر لجان مختصة تشكل بقرار من المحافظ المختص. ولم تكتفِ التشريعات بهذا، بل ضمنت حق المستأجرين المتضررين في التقدم للحصول على وحدات سكنية بديلة سواء بالإيجار أو التمليك من خلال المخزون المتاح لدى الدولة.
البند | التفاصيل |
---|---|
إنهاء العقود – الوحدات السكنية | تنتهي العقود بعد 7 سنوات من تاريخ العمل بالقانون |
إنهاء العقود – الوحدات غير السكنية | تنتهي العقود بعد 5 سنوات من تاريخ العمل بالقانون |
زيادة الأجرة | زيادة دورية سنوية بنسبة 15% خلال الفترة الانتقالية، وتحديد قيمة إيجارية جديدة حسب تصنيف المناطق |
ضمانات اجتماعية | حق المستأجر المتضرر في الحصول على وحدة سكنية بديلة من وحدات الدولة |
الأبعاد القانونية للطعن على قانون الإيجار القديم الجديد أمام المحكمة الدستورية العليا
تقدم الطعن المقدم للمحكمة الدستورية العليا يحمل أبعاداً قانونية مهمة، حيث يطالب بوقف تنفيذ المادة الثانية التي تنص على إنهاء العقود بعد سبع سنوات، ويستند إلى أحكام المحكمة السابقة في عام 2002 التي قد تكون معنية بحماية استمرارية عقود الإيجار القديم. إذ أن مقدم الطعن يجادل بتعارض نصوص القانون الجديد مع المبادئ التي حددتها المحكمة سابقاً بشأن الامتداد القانوني لعقد الإيجار جيل واحد فقط من ورثة المستأجر الأصلي. وتمتلك المحكمة سجلاً واسعاً في هذا الأمر بتوجيه أكثر من 39 حكماً سابقاً، من بينها أحكام تقضي بعدم دستورية استمرار امتداد عقود الإيجار في حالات معينة، كما حكّمت عام 2024 بعدم دستورية تثبيت قيم الإيجار إلى أجل غير مسمى، مما أدى إلى صدور القانون الجديد. هذا الطعن ليس مجرد نزاع قضائي بين أطراف متخاصمة، بل هو اختبار قوي يحدد كيف ستُوازن السلطات بين الحقوق الدستورية للملكية والمتطلبات الأساسية للعدالة الاجتماعية في مصر.
الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة من تعديل قانون الإيجار القديم
يمثل قانون الإيجار القديم أساساً معقداً لمجموعة من المصالح المتداخلة، والتعديل التشريعي المتوقع يحمل تأثيرات جدية على المجتمع. من وجهة نظر الملاك، يُنظر إلى القانون الجديد كفرصة لاستعادة حقوقهم المسلوبة منذ زمن، فالزمن الطويل لأجور منخفضة لم يعد يعكس القيمة الحقيقية للعقارات، وهي غير كافية حتى لصيانة الممتلكات. أما المستأجرون، فالغالبية منهم ومن بينهم كبار السن والمحدودي الدخل يخشون فقدان مساكنهم التي تعني لهم الأمن والاستقرار، خصوصاً مع المبالغ التي دفعوها سابقاً كـ”خلو رجل” التي كانت تاريخياً تُعتبر جزءاً من ثمن الوحدة. أما على الجانب الاقتصادي، فتوقعات الخبراء تشير إلى تحريك آلاف الوحدات السكنية المغلقة وفتح الباب أمام تنشيط سوق العقارات، مع وجود مخاوف من ارتفاع التكاليف والمعيشة نتيجة للضغط التضخمي على الشرائح الاقتصادية الأوسع، ما يتطلب مراقبة دقيقة ومتوازنة لتفادي تداعيات غير مرغوبة.
أسئلة شائعة حول قانون الإيجار القديم والطعن القضائي الحالي
هل يؤدي قيد الطعن الحالي إلى إلغاء تنفيذ قانون الإيجار القديم الجديد فوراً؟
لا يؤدي تسجيل الطعن إلى تعليق فوري لتطبيق القانون، فالطعن قيد النظر، وقد تم طلب تعليق التنفيذ بشكل عاجل، إلا أن المحكمة الدستورية ستصدر قراراً منفصلاً في هذا الشأن.
كيف يتم التعامل مع مبلغ “خلو الرجل” الذي دفعه المستأجرون سابقاً؟
لم يتطرق القانون بشكل مباشر إلى تسوية موضوع “خلو الرجل”، وهو أمر قد يُترك للنزاعات القضائية التفصيلية أو يحتاج إلى تشريعات أو نصوص تفسيرية جديدة لمعالجته.
هل يشمل القانون الجديد عقود الإيجار التي أبرمت بعد عام 1996؟
القانون الجديد يقتصر على العقود المبرمة قبل 1996 التي تخضع لقوانين الإيجار الاستثنائية، أما العقود الجديدة التي أبرمت ما بعد هذا التاريخ فتخضع لأحكام القانون المدني ولا تشملها قواعد الامتداد.
ما هي الضمانات التي تحمي حيادية لجان تصنيف المناطق لتحديد القيمة الإيجارية؟
تضم اللجان عناصر فنية وقانونية ويتم تشكيلها بأمر من المحافظ المختص، كما تخضع قراراتها للرقابة القضائية مع إمكانية الطعن من المتضررين، ما يمنح ضمانة للشفافية والعدالة.
هل يمكن للمالك والمستأجر الاتفاق على إنهاء العقد قبل انتهاء المدة المحددة؟
يوجد نص صريح في القانون يسمح بإنهاء العقد بالتراضي قبل انتهاء المدة القانونية، مما يتيح حلولاً وسطية توافقية بين الطرفين في أي وقت.
يبقى الموقف القانوني المرتقب من المحكمة الدستورية العليا نقطة أساسية لمستقبل العلاقة الإيجارية في مصر، إذ يتوقع أن تكون له أبعاد مباشرة على استقرار السوق العقاري، وعلى التوازن بين حماية حقوق الملكية وضمان العدالة الاجتماعية التي تمثل ركيزة استقرار المجتمع المصري.