الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تستعد لإحياء ذكرى نياحة القديس الأنبا برسوم العريان غدًا
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بذكرى نياحة القديس الأنبا برسوم العريان، الذي اشتهر بكونه مثالًا خالدًا للجهاد الروحي والزهد العميق في حياة الناسك البسيط، حيث تجسد حياته التضحية والاتكال على الله في أسمى معانيها
الأنبا برسوم العريان: حياة الجهاد الروحي والزهد العميق
وُلد الأنبا برسوم العريان في مصر لأسرة ذات مكانة اجتماعية مرموقة؛ فقد كان والده الوجيه مفضل كاتب الملكة شجرة الدر، وأمه تنحدر من عائلة التبان المعروفة، إلا أن وفاة الوالدين كانت نقطة تحول حاسمة في حياته، إذ استولى خاله على ميراثه دون مناقشة، لكنه لم يناضل لأجله بل اختار مسار الزهد مستلهمًا خطى القديس الأنبا بولا، أول السواح، فابتعد عن ملذات الدنيا وقضى خمس سنوات في حياة صحراوية قاسية يعاني خلالها من حر الصيف وبرد الشتاء وهو مكتفيً بعباءة صوف صغيرة. ثم اعتكف في مغارة داخل كنيسة القديس مرقوريوس أبي السيفين لمدة عشرين عامًا، مكرّسًا حياته للصلاة والصوم بلا انقطاع.
سنوات العبادة والاضطهاد: صبر وقوة روحية لا مثيل لهما
بعد انتهاء فترة الاعتكاف في المغارة، استمر الأنبا برسوم العريان في نسكه وأدائه الروحي على سطح الكنيسة مدة تقارب خمس عشرة سنة، حتى أسود جلده جراء كثرته الجهاد والعبادة، وقد تزامن ذلك مع موجات شديدة من الاضطهاد للمسيحيين، فرضت عليهم ارتداء العمائم الزرقاء، ومع ذلك لم يستطع الوالي فرض التخلي عن عمامة الأنبا برسوم البيضاء لما كان يمتلكه من هيبة وقوة روحية جعلته علامة مميزة في تلك الحقبة الصعبة.
سبب لقبه “العريان” ودلالاته في حياة القديس
لقّبه الناس بـ”العريان” بسبب ارتدائه عباءة صغيرة من الصوف لم تغطِ كامل جسده، فكان يظهر جزء منه مكشوفًا سواء في الصيف القائظ أو الشتاء القارس؛ هذا المظهر المتواضع لم يكن مجرد لباس بل تعبير صادق عن زهد الأنبا برسوم التام، وتخليه الكامل عن ملذات العالم والمظاهر الخارجية، ليصبح مثالاً حيًا بين أولئك الذين يتطلعون إلى حياة الجهاد الروحي القاسي.
شهادة البابا شنودة الثالث عن القديس الأنبا برسوم العريان
وصف البابا شنودة الثالث الأنبا برسوم العريان بأنه «علامة واضحة لطالبي الملكوت»، مشيرًا إلى أنه لم يكن كاهنًا أو راهبًا أو شماسًا، بل تجسد فيه نموذج الجهاد الروحي الحقيقي، فحياته المتواضعة والمليئة بالصلاة والتضحية قد ألهبت قلوب الإيمان، وجعلته مصدر إلهام للأجيال التي تسعى نحو الخلاص، ويفسر هذا الوصف مدى التأثير العميق الذي صنعه رغم غيابه عن المناصب الكنسية.
معلومات هامة عن الأنبا برسوم العريان
- عاش في القرن الثالث عشر الميلادي، حيث تميّز بزهده وصلابته في وجه الاضطهادات
- أمضى عشرين عامًا في مغارة بكنيسة أبي السيفين ملتزمًا بصلاة وعبادة مستمرة
- لقّب بـ”العريان” بسبب ارتدائه عباءة صوف صغيرة لا تغطي جسمه بالكامل
- واجه اضطهادات عديدة لم تجعله يتراجع عن إيمانه ولا عن عبادته
- تنيح في سنة 1033 للشهداء، أي حوالي عام 1317 ميلادية
- تم دفنه في دير شهران، حيث ما زال أثره الروحي حاضراً بين المؤمنين
تجسد حياة الأنبا برسوم العريان نموذجًا متميزًا للجهاد الروحي والزهد الحقيقي، إذ تنازل عن جميع متع الحياة ليتبعه المسيح بمحبة وصدق، فكانت حياته رسالة صامتة تعكس الإيمان العميق والصبر، وبذلك صارت سيرته علامة مضيئة في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تلهب قلوب من يأنسون بنور الروح ويطلبون حياة نقية ومكرسة بعيدًا عن كل شواغل الدنيا