الرياضة القتالية في لبنان تشهد طفرة كبديل متزايد للألعاب الجماعية بين الشباب

تتصدر الرياضات الفردية المشهد الرياضي في لبنان كخيار متزايد بين الشباب الباحث عن فرص جديدة بعيدًا عن الصعوبات التي تواجه الرياضات الجماعية، خصوصًا مع ضعف البنية التحتية وقلة الملاعب المناسبة، إلى جانب الانقسامات الإدارية ومحدودية التمويل التي تعصف بالرياضة الجماعية في البلاد.

الصعود اللافت للرياضات الفردية وأسباب تزايد شعبيتها في لبنان

شهدت الرياضات الفردية في لبنان، مثل فنون القتال المختلطة (MMA) والجودو والكيك بوكسينغ، ازديادًا ملحوظًا في عدد المشاركين والبطولات على المستويين المحلي والدولي، رغم أن البعض ينظر إليها كرياضات عنيفة، إلا أن سهولة ممارستها مقارنة بالرياضات الجماعية جعلتها بديلًا يعتمد عليه عدد كبير من الشباب. فالمتطلبات الأساسية لممارسة هذه الرياضات تقتصر على نادي صغير ومدرب متمرس، دون الحاجة لفرق كبيرة أو ملاعب واسعة. مهمٌ أيضًا أن تمنح هذه الرياضات اللاعب استقلالية كاملة وشعورًا بالمسؤولية عن نتائجه، بعكس الأجواء الجماعية التي قد تعج بالكيدية وتسيدها «شلات» معينة داخل النوادي.

كما لعب الانتشار الواسع للنوادى المختصة في بيروت وضواحيها، إلى جانب مناطق طرابلس وصيدا وصور، دورًا كبيرًا في استقطاب مهتمين جدد، وسط تكاليف اشتراك منخفضة بالمقارنة مع رياضات كرة القدم أو كرة السلة، مما يجعلها خيارًا اقتصاديًا جذابًا لشريحة واسعة من الشباب.

أفضل نماذج الرياضات القتالية الفردية اللبنانية وتألقها العالمي

برز في لبنان عدد من الرياضيين اللامعين الذين صنعوا تاريخًا في رياضات الفنون القتالية المختلطة وغيرها من الرياضات الفردية. يُعتبر محمد فخر الدين من أبرزهم، إذ أصبح أول مقاتل عربي يحصد ثلاثة ألقاب عالمية في MMA ضمن فئة المحترفين، ما جعله رمزًا شبابيًا وشجع جيلًا جديدًا على الاهتمام بهذه الرياضة. ويجمع MMA بين الملاكمة، المصارعة البرازيلية، الكيك بوكسينغ، المواي تاي، وغيرها من فنون القتال، ولكل منها مدرب مختص.

على صعيد رياضات أخرى، يعتبر مازن قيس في الملاكمة، وآدم السن وأمير السن في المواي تاي من النجوم الذين لمعوا عالميًا، إلى جانب مقاتلين مثل أحمد لبّان المعروف بلقب «ذا شادو»، والذي يتمتع بخبرة واسعة ومهارات هجومية عالية تحت إشراف مدرب متخصص في أوروبا. تمكن المنتخب اللبناني للفنون القتالية المختلطة أيضًا من تحقيق إنجاز دولي فريد بحصوله على 10 ميداليات ملونة في بطولة العالم للشباب في أبو ظبي، حيث برز اللاعبون شربل أبو رحال والياس غياض وشربل بو سرحال.

بين السيدات، تميزت زينب خاتون التي بدأت مسيرتها في المواي تاي والفنون القتالية المختلطة قبل أن تنتقل إلى الملاكمة عام 2017، وحصدت ألقابًا مهمة في بطولات شرق آسيا وتايلاند. وفي رياضة الجودو، حافظ لبنان على مشاركته الدائمة في البطولات العربية والآسيوية، رغم ضعف الدعم الرسمي، مع ظهور أسماء شابة تحقق إنجازات مهمة. أما الكيك بوكسينغ فتعرف بدورها انطلاقة قوية مع بطولات محلية وعالمية، وحصد الرياضيون اللبنانيون عشرة ميداليات في بطولة آسيا للسامبو 2022 المستضافة في لبنان.

الدعم والتحديات الاقتصادية وتأثيرها على مستقبل الرياضات الفردية في لبنان

تُعتبر الرياضات الفردية متنفسًا حيويًا لشباب لبنان الذي يواجه أزمات اقتصادية وهجرة متزايدة، إذ توفر متنفسًا نفسيًا وصحيًا يعزز الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة الصعوبات، مع التركيز على الانضباط والشجاعة التي تلغي العنف العشوائي وتحوّله إلى طاقة رياضية منظمة. ورغم هذه الفوائد، لاتزال التحديات الحقيقية قائمة، خاصة ضعف الدعم الحكومي للاتحادات الرياضية، وغياب الخطط الاستراتيجية، بالإضافة إلى النقص في الإعلام الرياضي الذي يقتصر بشكل كبير على كرة القدم وكرة السلة، ما ينسف فرص تسليط الضوء على الإنجازات الفردية البارزة، ويجبر بعض المواهب على البحث عن فرص احترافية خارج لبنان.

شهدت الرياضات القتالية نموًا ملموسًا في لبنان، حيث بلغ عدد أكاديميات الفنون القتالية 30 نادٍ حتى مايو 2025، بزيادة 7.14% مقارنة بعام 2023، موزعة بشكل رئيسي في جبل لبنان (19 نادٍ)، بيروت (5 نوادٍ)، والشمال (4 نوادٍ). ويُدهش أن 93% من هذه النوادي مملوكة لمؤسسين مستقلين، مع إدارة حوالي نصفها عبر الإنترنت من خلال صفحات على فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب، رغم محدودية المواقع الإلكترونية الرسمية.

  • تصميم النوادي يركز على تقديم بيئة متخصصة لجميع فنون القتال المختلفة مع مدربين محترفين
  • الأسعار المعقولة للاشتراكات تجذب شريحة واسعة من الشباب الباحث عن الرياضة الممتعة والفعالة
  • المشاركة في البطولات المحلية والدولية تدعم بروز أسماء جديدة وشهرة رياضات القتال اللبنانية

تفرض هذه المعطيات أن الرياضات الفردية تمثل مستقبلًا واعدًا للرياضة اللبنانية في ظل الانهيارات المتكررة التي تعانيها الرياضات الجماعية، فهي بحكم الطبيعة تتيح مزيدًا من الحرية للشباب، وبأقل تكلفة، وفي الوقت ذاته تعزز فرص التميز على الساحة الدولية إذا ما توافرت لها الأدوات اللازمة للدعم والتنظيم.

كاتب وصحفي يهتم بالشأن الاقتصادي والملفات الخدمية، يسعى لتبسيط المعلومات المعقدة للقارئ من خلال تقارير واضحة وأسلوب مباشر يركز على أبرز ما يهم المواطن.