الدوري الإنجليزي يسيطر مالياً ويهدد استقرار الأندية الألمانية

كان لصيف الانتقالات القياسي في الدوري الإنجليزي تأثير واضحًا على الأندية الألمانية، حيث تأثر حتى بايرن ميونيخ، عملاق الكرة الألمانية، بالقوة المالية الهائلة التي تتمتع بها الأندية الإنجليزية هذا الموسم. فقد شهدت سوق الانتقالات انتقالات كبيرة لأسماء بارزة، حيث كانت أفضل أربع صفقات للدوري الإنجليزي مرتبطة بأندية ألمانية، منها فلوريان فيرتز، هوغو إيكيتيكي، نيك فولتيماده، وبنيامين سيسكو، الأمر الذي يعكس مدى تأثير الدوري الإنجليزي على الكرة الألمانية في هذا الصيف.

أبرز صفقات الدوري الإنجليزي وتأثيرها على الكرة الألمانية

فعلى الرغم من استقدام ليفربول للاعب السويدي ألكسندر إيزاك قادمًا من نيوكاسل، إلا أن أغلى الصفقات الأربعة في الدوري الإنجليزي كانت من نصيب نجوم الدوري الألماني، حيث بلغ إجمالي تكلفة هذه الصفقات قرابة 446 مليون دولار أميركي بالإضافة إلى المكافآت، مع وجود توجه واضح بأن ليفربول استحوذ على أغلى اثنين من هذه اللاعبين. هذا الرقم يمثل جزءًا من الإنفاق القياسي الذي تجاوز أربعة مليارات دولار على مستوى جميع أندية الدوري الإنجليزي خلال فترة الانتقالات الصيفية الحالية.

التحديات الهيكلية بسبب تصاعد الإنفاق في الدوري الإنجليزي

أثارت هذه التحولات المالية الكبيرة جدلًا واسعًا في ألمانيا حول ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية في النظام الكروي الألماني، خصوصًا فيما يتعلق بقاعدة 50+1 التي تحظى بشعبية عريضة لدى الجماهير، والتي تحكم سيطرة الأعضاء على النادي وتقييد ضخّ الاستثمار الخارجي. بينما يرى فريق آخر من المتابعين أن الأموال الضخمة المتدفقة في الدوري الإنجليزي قد تشكل فرصة للأندية الألمانية لإعادة ترتيب أوراقها وتحقيق تغير في التسلسل الهرمي داخل كرة القدم الألمانية.

تأثير قاعدة 50+1 في مواجهة القوة المالية للدوري الإنجليزي

انتقد أوليفر كان، الرئيس التنفيذي لبايرن ميونيخ وحارس المرمى السابق، توجهات المسؤولين في كرة القدم الألمانية، مشيرًا إلى رضاهم بالوضع الحالي الذي يصنف الدوري الألماني في مرتبة ثانوية. واعتبر كان أن النظام الحالي ينطوي على قدر كبير من الحذر المفرط، مما يحدّ من المخاطرة اللازمة لتطوير الدوري. وأشار إلى أن بقاء المواهب داخل الأندية المحلية مرتبط بخلق ظروف مالية وهيكلية تسمح بذلك. ورغم عدم مطالبته المباشرة بإلغاء قاعدة 50+1، أكد أن هذه القاعدة تمثل عائقًا أمام اتخاذ قرارات جريئة تعزز تنافسية الأندية.

وتجدر الإشارة إلى أن قاعدة 50+1 تفرض أن تكون أغلبية ملكية الأندية بيد أعضائها المحليين، مما يقلل من فرص استقطاب استثمارات أجنبية ضخمة. أما الاستثناءات الوحيدة لهذه القاعدة فتتمثل في ناديي ليفركوزن وفولفسبورغ المملوكين لشركات صناعية عملاقة، واللذين حققا نجاحات بارزة في العقدين الماضيين من خلال الفوز بالألقاب المحلية. هذا الصيف، فقد ليفركوزن العديد من لاعبيه البارزين، خاصة بعد انتقال خمسة منهم إلى الدوري الإنجليزي، مما يعكس استحالة رقابة الأندية على رحيل نجومها في ظل العروض المغرية التي تقدمها الأندية الإنجليزية.

وهنا توضح تصريح المدير الرياضي لليفركوزن سايمون رولفيس بأن تأثير سوق الانتقالات في إنجلترا لا يتوقف عند حدودها، بل يمتد ليؤثر مباشرة في جميع الأندية الأوروبية، مؤكدًا أن الأندية الألمانية مضطرة للسماح برحيل اللاعبين في ظل الفارق الاقتصادي الكبير.

الفرص والتهديدات في ظل تدفق الأموال الإنجليزية على الأندية الألمانية

بالرغم من الصعوبات، يعتبر عدد من المحللين أن ضخ الأموال الإنجليزية يمثل فرصة لأندية ألمانيا لتحديث مواردها المالية والاستثمار في بنيتها التحتية، خاصة في أكاديميات الشباب التي تعد مفتاح الحفاظ على مستويات تنافسية عالية. وقد استطاعت بعض الأندية مثل شتوتغارت الاستفادة من استثمارات كبيرة مثل حصة بورشه التي بلغت 100 مليون يورو، مما وفر لها استقرارًا ماليًا عزز من قدرتها على المنافسة في البطولات الأوروبية عقب غياب طويل.

وفيما يتعلق بالانتقالات، تمكن شتوتغارت من تحقيق أرباح معتبرة ببيع نيك فولتيماده مقابل 85 مليون يورو بعد موسم واحد فقط من انضمامه مجانًا، وهو ما يبرز أهمية استغلال الموارد البشرية بشكل استراتيجي في ظل الظروف الراهنة.

حتى عمالقة الكرة الألمانية مثل بايرن ميونيخ، الذين بذلوا جهودًا كبيرة للتعاقد مع فيرتز وفولتيماده، وجدوا أنفسهم أمام واقع أليم يتمثل في انتقال لاعبيهم إلى الدوري الإنجليزي بسبب الفارق المالي، وهو ما اعترف به المدير الرياضي ماكس إيبرل الذي أشار إلى حرص النادي على التوازن المالي منعهم من اتخاذ بعض خطوات السوق الاستثنائية.

أما المدرب فينسنت كومباني، الذي يتولى تدريب بايرن ميونيخ، فأكد في مؤتمر صحافي أن العامل الأبرز الذي يجعل الدوري الإنجليزي وجهة مفضلة للاعبين هو “المال”، مما يعكس الفارق المادي الكبير الذي يشكل ضغطًا مستمرًا على الأندية الألمانية للحفاظ على نجومها أو تعويض خسائرها.

ويعكس صيف الانتقالات الحالي حجم التحدي الكبير الذي تواجهه أندية ألمانيا أمام الطفرة المالية للكرة الإنجليزية، حيث بات من الواضح أن المنافسة من الدوري الإنجليزي باتت تعيق فرص بايرن ميونيخ في الاستحواذ على أفضل اللاعبين محليًا، وهو ما قد يدفع الكرة الألمانية لإعادة النظر في استراتيجياتها المالية والهيكلية لضمان الحفاظ على مكانتها التاريخية في أوروبا.

كاتب وصحفي يهتم بالشأن الاقتصادي والملفات الخدمية، يسعى لتبسيط المعلومات المعقدة للقارئ من خلال تقارير واضحة وأسلوب مباشر يركز على أبرز ما يهم المواطن.