هيفي ميتال في العالم العربي: رحلة صمود من الكاسيت إلى المهرجانات الكبرى

تُعد موسيقى الهيفي ميتال من أكثر الأنماط الموسيقية تأثيرًا في العالم، وظهورها وانتشارها في الوطن العربي مثار اهتمام واسع بين جمهورها ومتابعيها. في السنين الماضية، شهد مشهد الهيفي ميتال في مصر والسعودية ولبنان تطورًا ملحوظًا رغم التحديات والصعوبات التي واجهها الفنانون وجمهور هذه الموسيقى.

تاريخ ونشأة موسيقى الهيفي ميتال وأصلها

يعود مفهوم موسيقى الهيفي ميتال إلى الستينيات، عندما سعت فرق روك لتحقيق صوت أكثر قوة وصخبًا وأداءً أسرع، وكان أبرز من ساهم في ذلك عازف الغيتار جيمي هندريكس، الذي جرب تقنيات جديدة تتسم بالانفجارات الصوتية والتجريب. في أواخر الستينيات، صيغ مصطلح “هيفي ميتال” لأول مرة في أغنية “Born to Be Wild” التي أطلقتها فرقة ستيبنوولف عام 1969. تطورت الموسيقى بشكل أكبر في السبعينيات مع فرق مثل ليد زبلين وديب بربل، وصولًا إلى بلاك ساباث التي وضع أوزي أوزبورن أسسها بصوته وكلماته التي تناولت الجوانب المظلمة للحياة، مما جعل الهيفي ميتال نمطًا موسيقيًا وثقافة متكاملة يتبناها جمهور يتميز بأزياء سوداء وشعر طويل ورموز خاصة. رغم ذلك، واجه هذا النمط رفضًا مجتمعيًا ودينيًا في الغرب بسبب رموزه الصادمة وسلوكيات الجمهور التي بدت مهددة للقيم التقليدية.

كيف بدأت موسيقى الهيفي ميتال في الوطن العربي عبر الكاسيت والإذاعة؟

وصلت موسيقى الهيفي ميتال إلى العالم العربي وسط تسهيلات بسيطة جدًا وبتبادل أشرطة الكاسيت بين الأصدقاء، في زمن كانت المتاجر قليلة ومحتوياتها محدودة، وغالبًا ما كان الاستماع محصورًا في بيئات خاصة. يروي كريم بيومي من مصر كيف أن ألبوم Nine Lives لفرقة أيروسميث حينما سمعه في عام 1997 غيّر تصور حياته للموسيقى، وهذا الشريط كان بوابة دخوله إلى عالم الهيفي ميتال. في لبنان، كانت أشرطة الكاسيت المنسوخة باليد فقط هي المصدر الأساسي، إلى جانب بعض الإذاعات المحلية التي حاولت بث برامج خاصة بموسيقى الروك والميتال، رغم الحملات القمعية التي تعرضت لها تلك المحطات. قاعات مثل “بيك هول” في بيروت أصبحت ملتقى لعشاق الهيفي ميتال، حيث كانوا يجتمعون للحفلات والتمارين الموسيقية في أجواء تشبه الأسرة الموسيقية الواحدة، وفي مصر ظهر مشهد مماثل مع بروز فرق بدأت تقديم عروضها في مدن مثل القاهرة والإسكندرية، ومنها فرقة “ميديك” التي تركت بصمة واضحة في المشهد.

تحديات موسيقى الهيفي ميتال في السعودية ومقاومة الحظر في العالم العربي

شهدت السعودية ودول عربية أخرى تحديات كثيرة في قبول الموسيقى الثقيلة، إلاّ أن بيئة الهيفي ميتال لم تكن مستهدفة مباشرة في السعودية، بل كانت القوانين المتعلقة بالعروض الحية تنطبق على كافة أنواع الموسيقى، مما جعل الوضع صعبًا على جميع الفنانين. جيجي، مؤسِّسة شركة Heavy Arabia، تعتبر أن الدعم الحكومي بدأ يتبلور مع رؤية 2030 التي فتحت المجال للفن والترفيه، حيث أصبح من الممكن إقامة حفلات موسيقية رسمية حضوريًا، مما وفر منصة أوسع للفرق المحلية والعالمية. في المقابل، عانى شباب الهيفي ميتال في لبنان ومصر من حملات ملاحقة وصفتهم بـ”عبدة الشيطان” بدون أساس، وواجهوا الاعتقالات والتحقيقات بسبب سوء الفهم والتغطيات الإعلامية السلبية التي حاولت تشويه صورة هذا النمط الموسيقي. في عام 1997، تعرض ما يقارب 87 شابًا في مصر للاعتقال بحجة هذه الاتهامات الباطلة، وكل ذلك دون إثبات أي تهمة قانونياً. حتى في 2019، شهد لبنان إلغاء حفل لفرقة معروفة بسبب اتهامات غير مبررة بالتعدي على الدين.

الدولة بدايات الهيفي ميتال أبرز التحديات الوضع الحالي
مصر منتصف الثمانينيات مع فرق مثل أندروميدا وألبومات أيروسميث اتهامات بالسحر وعبادة الشيطان، اعتقالات 1997 حفلات موسيقية بين 2013-2014، تحديات مع نقابة الموسيقيين
لبنان أوائل التسعينيات مع فرق مثل بلاكيوم ملاحقات أمنية، حظر حفلات، اتهامات دينية تحول الساحات إلى أماكن تمارين، ومشهد مستمر عبر الإنترنت
السعودية التسعينيات بعروض في أماكن غير رسمية ضبط العروض الحية، غياب قاعات معترف بها دعم رسمي تحت رؤية 2030 مع إقامة مهرجانات ومشاركة محلية وعالمية

أخذ الانتشار الرقمي عبر الإنترنت دورًا هامًا في فتح آفاق جديدة للهيفي ميتال في العالم العربي، حيث صار الوصول إلى الموسيقى وتشبيك الفرق وعقد الحفلات أسهل وأوسع من ذي قبل، كما ساعدت شبكات التواصل الاجتماعي على توثيق مراحل هذا المشهد الموسيقي. يشير باسم دعيبس إلى أن الجيل الحالي أكثر فهمًا وتقبلًا مما سبق، ومن المتوقع أن تتوسع مساحة هذه الموسيقى وثقافتها في المستقبل بين أجيال جديدة تتبنى قيم الحرية والتعبير الفني.

في ضوء تلك التطورات، يظل الهيفي ميتال حجر زاوية في تاريخ الموسيقى العالمية، ويمثل طابعًا فنيًا مهمًا في المشهد الموسيقي العربي، مستمرًا في إلهام الشباب رغم العقبات والتحديات الاجتماعية التي واجهها طوال عقود.

مراسل وصحفي ميداني، يركز على نقل تفاصيل الأحداث من قلب المكان، ويعتمد على أسلوب السرد الإخباري المدعوم بالمصادر الموثوقة لتقديم صورة شاملة للجمهور.