11.8 مليون وحدة سكنية شاغرة في مصر تكشف عن ثروة عقارية مهملة ضخمة
الشغور السكني في مصر يشكل أزمة حقيقية تؤثر على السوق العقاري والاقتصاد الوطني في آنٍ معًا؛ إذ تشير الدراسات الأخيرة إلى وجود نحو 11.8 مليون وحدة سكنية شاغرة في مختلف المحافظات، وهو رقم يعكس ثروة عقارية مهملة كان من الممكن تحويلها إلى مصدر دخل وتحسين وضع السكن في البلاد.
الأسباب الاقتصادية والاجتماعية وراء ارتفاع نسبة الشغور السكني في مصر
تتعدد أسباب الشغور السكني في مصر، حيث تبرز ظاهرتان رئيسيتان؛ الأولى هي الوحدات الخالية التي لم يُسكنها أحد بعد سواء كانت مشطبة أو غير مشطبة، وغالبًا ما تكون هذه الوحدات فارغة من الأثاث وغير مستخدمة لأسباب متعددة تشمل كونها معروضة للبيع أو الإيجار أو لحداثة إنشائها، أو بسبب هجرة السكان دون استبدالهم. أما النمط الثاني فهو الوحدات المغلقة التي تكون مملوكة ولكنها غير مأهولة لأسباب تتنوع بين وجود سكن آخر لأصحابها، السفر، أو الاحتفاظ بالعقار كاستثمار مستقبلي أو “مخزن للقيمة” ينتظر تحسن السوق العقاري لتحقيق أرباح مرتفعة.
توضّح الدراسات أن ارتفاع أسعار الأراضي والعقارات في القاهرة الكبرى خلال العقد الماضي بنحو 16 ضعفًا دفع بعض الأسر إلى تخزين وحدات سكنية متعددة، خاصة في ظل سهولة استخدام العقار كوسيلة ادخارية آمنة لمواجهة التضخم المستمر، ما ساهم في تدني معدلات استخدام الوحدات وتزايد نسب الشغور بشكل ملحوظ. كما أن ضعف الضرائب وغياب العقوبات على ترك الوحدات خالية عزز من استمرار الظاهرة، بجانب تحديات التمويل العقاري للأسر محدودة الدخل التي تواجه صعوبة في شراء المساكن الجديدة بأسعار مرتفعة ومقدمات حجز عالية وفوائد قروض مرهقة.
تأثير الشغور السكني على سوق العقارات وأسعار الإيجار في مصر
رغم وجود عدد ضخم من الوحدات السكنية الشاغرة، تظل أسعار العقارات مرتفعة بشكل غير منطقي في السوق المصري، وهو ما يشير إلى فجوة حقيقية بين العرض والطلب الفعلي، حيث تعاني الأسواق من تعقيدات غير معتادة مقارنة بالمجتمعات المتقدمة التي عادةً ما تنخفض فيها الأسعار مع ارتفاع نسب الشغور. يؤدي هذا التناقض إلى تضخم ظاهرة الاحتفاظ بالعقارات دون تأجيرها أو بيعها، بما يعرف بالمضاربات العقارية التي يتم فيها تأجيل إتاحة الوحدات بهدف استغلال ارتفاع الأسعار لتحقيق مكاسب مالية مستقبلية.
هذا الاتجاه يفاقم مشكلة توفير مساكن ملائمة للطبقات المتوسطة والفقيرة، خاصة مع استمرار انخفاض معدلات استغلال الرصيد السكني المتاح، والذي يُقدر أنه يصل إلى ثلث الوحدات المتاحة، ما يُشكل فرصة ضائعة لتعزيز استقرار السكان وتحسين الأوضاع الاجتماعية. في المقابل، لا بد من التنويه إلى أهمية وجود نسبة معينة من الشغور للسماح بالحركة السكانية وإعادة تشكيل البنى الاجتماعية والمكانية، إلا أن النسبة الحالية تفوق بكثير المعدلات المقبولة عالميًا، مما يستدعي تدخلات تنظيمية حاسمة.
جهود الدولة والحلول المقترحة للحد من مشكلة الشغور السكني في مصر
أدركت الحكومة المصرية خطورة مشكلة الشغور السكني، فبادرت بتشكيل لجان مختصة لتقسيم المناطق السكنية إلى فئات متميزة ومتوسطة واقتصادية بهدف ضبط السياسات وتنظيم السوق العقاري بشكل أفضل. كما بدأت وزارة الإسكان في تنفيذ إجراءات لتسهيل انتقال المستأجرين على فقدان إيجارهم القديم، من خلال توفير وحدات بديلة وتسليم الطلبات عبر مكاتب البريد والمنصات الإلكترونية، ما يُعد خطوة ملموسة في طريق تحديث منظومة الإيجار والتأجير.
وترى الدراسات أن معالجة ظاهرة الشغور تتطلب حلولًا متكاملة تضم تعديل قوانين الإيجار القديم لتوفير عائد مادي عادل لأصحاب العقارات وحوافز جديدة للمستثمرين الصغار والمتوسطين للعودة إلى السوق، إضافة إلى اعتماد أنظمة مالية وتشريعية تفرض ضرائب على الاحتفاظ بالوحدات الخالية أو المغلقة كوسيلة لتقليل المضاربات العقارية. كما ينبغي تعزيز القروض العقارية الميسرة للمستفيدين الحقيقيين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وتحسين البنية التحتية والخدمات في المدن الجديدة لضمان جاذبيتها لسكانها وتقليل نسب الشغور فيها.
النوع | الوصف | التأثير |
---|---|---|
الوحدات الخالية | وحدات لم يُسكنها أحد بعد، نظراً لحداثتها أو عرضها للبيع والإيجار | زيادة الرصيد السكني دون استخدام فعلي |
الوحدات المغلقة | وحدات مملوكة لكنها غير مأهولة لأسباب شخصية أو استثمارية | خفض معدل استغلال الوحدات وزيادة المضاربات العقارية |
الإيجار القديم | عقود إيجار تحمي المستأجرين بالرغم من ارتفاع أسعار السوق | عرقلة حركة الانتقال العقاري وارتفاع نسب الشغور |
تكشف مشكلة الوحدات السكنية الشاغرة في مصر عن وجود ثروة عقارية ضخمة غير مستغلة، يمكن تحويل جزء منها إلى حلول سكنية حقيقية وخفض ضغط الإسكان، وهو ما يتطلب استمرار العمل على سياسات إسكانية واجتماعية متوازنة توازن بين مصالح الملاك والمستأجرين، وتدعم استقرار السوق العقاري، مع دعم النمو الحضري والتنمية العمرانية التي تركز على تحسين جودة الحياة وتوفير مساكن مناسبة ومتاحة لكل المصريين.